للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قدم عليه شقّ فقال له كقوله لسطيح، وكتم ما قاله سطيح، لينظر أيتفقان أم يختلفان. قال: نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة.

فلما قال ذلك عرف أنهما قد اتفقا، فقال الملك: ما أخطأت منها شيئاً يا شقّ، فما عندك في تأويلها؟.

قال: أحلف بما بين الحرّتين من إنسان، لينزلنّ أرضكم السودان، فليغلبن على كل طفلة [ (١) ] البنان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران.

فقال له: الملك: فمتى هو كائن؟ في زماني أم بعده؟ قال: بل بعده بزمان، ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شأن، ويذيقهم كأس الهوان. قال: ومن هذا العظيم الشأن؟ قال:

غلام ليس بدنيّ ولا مدنّ، يخرج عليهم من بيت ذي يزن. قال: أفيدوم سلطانه أم ينقطع؟ قال:

بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل، بين أهل الدّين والفضل يكون الملك فيه إلى يوم الفصل. قال: وما يوم الفصل؟ قال: يوم تجزى فيه الولاة، يدعى فيه من السماء بدعوات يستمع، منها الأحياء والأموات ويجمع فيه الناس للميقات يكون فيه لمن اتّقى الفوز والخيرات. فقال: أحق ما تقول؟ قال إي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض إن ما أنبأتك به لحقّ ما فيه أمض.

قوله: فظع بها. الرواية بضم الفاء وفتحها. وصوّب أبو ذر الخشني الفتح بوزن علم يقال: فظع بالشيء إذا رآه أمراً عظيماً.

والعيافة [ (٢) ] : زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها.

والحممة [ (٣) ] : بضم الحاء وفتح الميمين وجمعها حمم وإنما أراد فحمة فيها نار، ولذلك قال: فأكلت منها كل ذات جمجمة أي رأس.

وظلمة: أصلها مسكّن وإنما حركت للسّجع قال السهيلي رحمه الله تعالى: وذلك أن الحممة قطعة من نار، وخروجها من ظلمة يشبه خروج عسكر الجيش من أرض السودان.

أرض تهمة بفتح التاء وكسر الهاء يعني واسعة منخفضة، وأكلت منها كل ذات جمجمة أي رأس، ولم يقل ذي جمجمة لأن القصد النفس والنّسمة، فهي أعم، ولو جاء بالتذكير لكان مختصا بالإنسان.


[ (١) ] في أ: ذي طفل.
[ (٢) ] وعاف الشيء يعافه عيفا وعيافة وعيافا وعيفانا كرهه وقيل العياف المصدر والبيافة الاسم، انظر اللسان ٤/ ٣١٩٢.
[ (٣) ] الحممة وزان رطبة ما أحرق من خشب ونحوه والجمع بحذف الهاء المصباح ١٥٢.