للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا سمع، ذلك يقول: «اللهم بك أجول، وبك أصول، وفيك أقاتل، حسبي الله ونعم الوكيل» . [ (١) ]

وروى الإمام أحمد ومسلم عن أنس والطبراني عن عبادة بن النّعمان، وإسحاق بن راهويه والبزّار، عن الزبير بن العوّام قالوا: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا يوم أحد، فأخذه رجال فجعلوا ينظرون إليه- وفي لفظ: فبسطوا أيديهم- كلّ إنسان يقول: أنا، فقال: «من يأخذه بحقّه؟» فأحجم القوم، فقام رجال فأمسكه عنهم

[ (٢) ] .

وعند ابن عتبة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا عرضه طلبه منه عمر، فأعرض عنه، ثم طلبه الزّبير فأعرض عنه، فوجدا في أنفسهما من ذلك.

وعند إسحاق بن راهويه عن عمرو بن يحيى المازني أن الزبير طلبه ثلاث مرات كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعند الطّبرانيّ عن قتادة بن النعمان: أن عليّا قام فطلبه فقال له: اجّلس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يأخذه بحقّه؟» فقام إليه أبو دجانة- بضم الدال المهملة وبالجيم والنون- فقال: يا رسول الله، وما حقه؟ قال: «أن تضرب به في العدوّ حتى ينحني» . قال: أنا آخذه يا رسول الله بحقّه. قال: «لعّلك إن أعطيتكه تقاتل في الكيّول» فأعطاه إياه،

وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكان له غصابة حمراء يعلم بها عند الحرب، يعتصب بها، فإذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك، فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت. وهكذا كانت تقول إذا اعتصب بها، ثم جعل يتبختر بين الصّفّين،

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين رآه يتبختر: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن» .

قال الزّبير: ولمّا أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف لأبي دجانة وجدت في نفسي حين سألته فمنعني وأعطاه إيّاه، وقلت: أنا ابن صفيّة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قمت إليه وسألته إيّاه قبله، فأعطاه إياه وتركني، والله لأنظرنّ ما يصنع به، فاتّبعته، فخرج وهو يقول:

أنا الّذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسّفح لدى النّخيل

ألّا أقوم الدّهر في الكيّول ... أضرب بسيف الله والرّسول

قال: فجعل لا يمرّ بشيء إلا أفراه وفتكه، وفلق به هام المشركين، وكان إذا كلّ شحذه بالحجارة، ثم يضرب به العدو كأنه منجل، وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا


[ (١) ] ذكره الهيثمي في المجمع ١٠/ ١٣٣ وعزاه لأحمد والبزار وقال: ورجالهما ثقات.
[ (٢) ] أخرجه مسلم ٤/ ١٩١٧ (١٢٨- ٢٤٧٠) وابن أبي شيبة في المصنف ١٤/ ٣٩٨ وابن سعد في الطبقات ٣/ ٢/ ١٠١.