للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم في برديك إسبالا

تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا برديك بعد أبوالا

[ (١) ] قال: والملك متضمّخ بالعبير يلصف وبيص المسك في مفرق رأسه، وعليه بردان أخضران مرتدياً بأحدهما مؤتزراً بالآخر، سيفه بين يديه، وعن يمينه وعن شماله الملوك والمقاول. وأخبر بمكانهم فأذن لهم فدخلوا عليه، ودنا منه عبد المطلب فاستأذنه في الكلام فقال: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنّا لك. فقال: إن الله عز وجل قد أحلّك أيها الملك محلاً رفيعاً شامخاً باذخاً منيعاً، وأنبتك نباتاً طابت أرومته وعظمت جرثومته، وثبت أصله وبسق فرعه، في أطيب موضع وأكرم معدن، وأنت أبيت الّلعن ملك العرب الذي إليه تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي تلجأ إليه العباد، سلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف فلن يهلك ذكر من أنت خلفه، ولن يخمل ذكر من أنت سلفه، نحن أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة.

قال له الملك: من أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم. قال: ابن أختنا؟

قال: نعم. قال: أدنه. ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحباً وأهلاً- فأرسلها مثلاً، وكان أول من تكلم بها- وناقةً ورحلاً ومستناخاً سهلا وملكاً ربحلا يعطي عطاء جزلاً، قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم، فإنكم أهل الليل والنهار ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم.

ثم أنهضوا إلى دار الضيافة والوفود وأجري عليهم الأنزال، فأقاموا بذلك شهراً لا يصلون إليه ولا يؤذن لهم بالانصراف.

ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدناه ثم قال له: يا عبد المطلب إني مفض إليك من سرّ علمي أمراً لو غيرك يكون لم أبح له به، ولكن رأيتك معدنه فأطلعتك طلعه، فليكن عندك مخبّأ حتى يأذن الله عز وجل فيه، إني أجد في الكتاب المكتوب والعلم المخزون الذي ادّخرناه لأنفسنا واحتجيناه دون غيرنا خبراً عظيماً وخطراً جسيماً فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامةً ولرهطك كافةً ولك خاصةً. فقال له عبد المطلب: مثلك أيها الملك سرّ وبرّ: فما هو؟ فداك أهل الوبر زمراً بعد زمر. قال: إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه


[ (١) ] الأبيات من قصيدة مطلعها:
ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ... ريم في البحر للأعداء أحوالا
وهي تروى لأبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي أيضا، ينظر السيرة النبوية والروض الأنف ١/ ٨٤، ٨٥.