قال محمد بن عمر في كتاب الرّدّة: والأنصاريّ المبهم عبد الله بن زيد بن عاصم المازنيّ، وبه جزم إسحاق بن راهويه والحاكم، وقيل: هو عديّ بن سهل، وجزم به سيف في الرّدّة، وقيل: أبو دجانة، وقيل: زيد بن الخطاب، قال الحافظ: والأول أشهر، ولعل عبد الله بن زيد هو الذي أصابته ضربته، وأما الآخران فحملا عليه في الجملة، وأغرب وثيمة في كتاب الردة فزعم أنّ الذي ضرب مسيلمة اسمه شنّ- بفتح المعجمة وتشديد النون- ابن عبد الله. وأغرب من ذلك ما حكاه أبو عمر أنّ الذي قتل مسيلمة هو الجلاس بن بشير بن الأصمّ، كذا في خطّ الحافظ: الجلاس بن بشير بن الأصمّ، ولم أر له ذكرا في التجريد، ولا في العجالة للبرهان النووي، ولا في الإصابة للحافظ، فالله أعلم.
وروى البخاري وابن إسحاق عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما- وكان قد شهد اليمامة- قال: سمعت صارخا يقول: وا أميراه قتله العبد الأسود.
وذكر محمد بن عمر، وتبعه في الإمتاع أن وحشيّا لما قتل حمزة شقّ بطنه وأخرج كبده، فجاء بها إلى هند بنت عتبة، فقال: هذه كبد حمزة، فمضغتها ثم لفظتها، ونزعت ثيابها وحليتها، فأعطته لوحشيّ، ووعدته إذا جاء مكة أن تعطيه عشرة دنانير، وقامت معه حتى أراها مصرع حمزة، فقطعت من كبده وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين، حتى قدمت بذلك مكة.
ومرّ الحليس- وهو بالحاء المهملة مصغّرا- ابن زبّان- بزاي فموحدة مشددة- وهو يومئذ سيد الأحابيش، بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة رضي الله عنه بزج الرّمح، وهو يقول: ذق عقق، فقال الحليس: يا بني كنانة، هذا سيد قريش يصنع بابن عمّه ما ترون لحما، فقال: ويحك، اكتمها عليّ، فإنّها كانت زلّة. وعلت هند صخرة مشرفة وصرخت بأعلى صوتها فقالت:
نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر ... ولا أخي وعمّه وبكري
شفيت نفسي وقضيت نذري ... شفيت وحشيّ غليل صدري
فشكر وحشيّ عليّ عمري ... حتّى ترمّ أعظمي في قبري
فأجابتها هند بنت أثاثة- بضم الهمزة وبثائين مثلثتين- ابن عبّاد بن المطلب فقالت:
خزيت في بدر وبعد بدر ... يا بنت وقّاع عظيم الكفر
صبّحك الله غداة الفجر ... م الهاشميّين الطّوال الزّهر