وروى ابن إسحاق عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قطّ ففارقه، حتى أمر بالصدقة ونهى عن المثلة.
قال ابن إسحاق وغيره: وأقبلت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها لتنظر إلى حمزة، وكان أخاها لأمها وأبيها، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تراه، فقال:«المرأة المرأة» . فقال الزبير بن العوام: فتوسّمت أنها أمّي صفية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألقها فأرجعها لا ترى ما بأخيها» ، فخرج يسعى فأدركها قبل أن تنتهي إلى القتلى، فردّها فلكمت صدره، وكانت امرأة جلدة، وقالت: إليك عني، لا أرضى لك. فقال: يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أنت ترجعي.
قالت: ولم وقد بلغني أنه قد مثّل بأخي؟ وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، فلأصبرنّ وأحتسبنّ إن شاء الله. فجاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال:«خلّ سبيلها» ، فأتته فنظرت إليه، فصلّت عليه، واسترجعت، واستغفرت له.
وروى الطبراني والبزار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف على عقل صفية بنت عبد المطلب، فوضع يده على صدرها فاسترجعت، وبكت.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار عن الزبير والطبرانيّ بسند رجاله ثقات، عن ابن عباس: إن صفية رضي الله عنها أتت بثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفّنوه فيهما. قال: فجئنا بالثوبين لنلفّه فيهما فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار، فعل به مثل ما فعل بحمزة، فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفّن حمزة في ثوبين، والأنصاريّ لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب، وللأنصاريّ ثوب، فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفنّا كلّا منهما في الثوب الذي طاوله، وجعل أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه يريد أن ينال من قريش، لما رأى من غمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل حمزة ما مثّل به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إليه أن اجلس وكان قائما،
ثم قال:«يا أبا قتادة. إن قريشاً أهل أمانة، من بغاهم العواثر أكبّه الله تعالى لفيه، وعسى إن طالت بك حياة أن تحقر عملك مع أعمالهم، وفعالك مع فعالهم، لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله تعالى» . فقال أبو قتادة: يا رسول الله، ما غضبت إلا لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، حين نالوا من حمزة ما نالوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«صدقت، بئس القوم كانوا لنبيّهم» .
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قتل حمزة جنبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«غسّلته الملائكة» ،
وعند ابن سعد عن الحسن مرسلا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لقد رأيت الملائكة تغسّل حمزة» [ (١) ] .
[ (١) ] أخرجه أحمد في المسند ٢/ ١٧٥ وذكره الهيثمي في المجمع ٢/ ١٠٥.