للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي حديث الزّبير عن ابن إسحاق بإسناد حسن قال: مال الرّماة يوم أحد يريدون النّهب، فأتينا من ورائنا وصرخ صارخ: «ألا إن محمدا قد قتل» ، فانكفأنا راجعين.

وروى ابن عائذ عن المطلب بن عبد الله بن خطب مرسلا: أن الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى بقي في اثني عشر رجلا من الأنصار.

وللنّسائيّ والبيهقي في الدلائل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: تفرّق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة. وإسناده جيّد وهو كحديث أنس إلا أن فيه زيادة أربعة، فلعلّهم جاءوا بعد ذلك. وعند محمد بن سعد: أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا: سبعة من المهاجرين، منهم أبو بكر. ويجمع بينه وبين حديث أبي عثمان بأن سعدا جاءهم بعد ذلك كما حديثه في القصة، وأن المذكورين من الأنصار استشهدوا، كما في حديث أنس عند مسلم: فلم يبق غير سعد وطلحة. ثم جاء من بعدهم. وأما المقداد فيحتمل أن يكون استمرّ مستقلّا بالقتال. وذكر الواقديّ أن جماعة غير من ذكر ثبتوا كما ذكرته في القصة، فإن ثبت حمل على أنهم ثبتوا فيمن حضر عنده في الجملة، وما تقدّم فيمن حضر عنده صلى الله عليه وسلّم، أولا فأولا.

وقال الحافظ في موضع آخر: صار الصحابة عند ترك الرّماة مواقعهم وقول الشيطان: «قتل محمد» ثلاث فرق: فرقة استمرّوا في الهزيمة إلى قرب المدينة، فما رجعوا حتى فرغ القتال، وهم قليل، وهم الذين نزل فيهم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [آل عمران ١٥٥] وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا ذلك، فصارت غاية الواحد منهم أن يذبّ عن نفسه، أو يستمرّ على بصيرته في القتال إلى أن يقتل، وهم أكثر الصحابة، وفرقة ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تراجع إليه القسم الثاني شيئا فشيئا لمّا عرفوا أنه حيّ، وبهذا يجمع بين مختلف الأخبار في عدّة من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثاني والعشرون: وقع في الهدى أن الفرسان من المسلمين يوم أحد كانوا خمسين رجلا، وهو سبق قلم، وإنما هذا عدد الرماة، وقد جزم موسى بن عقبة بأن المسلمين لم يكن معهم شيء من الخيل. وذكر الواقديّ أنه كان معهم فرسان: فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرس لأبي بردة.

الثالث والعشرون: اختلف في عدد المسلمين يومئذ، فقال الجمهور: منهم ابن شهاب في رواية: كان المشركون ثلاثة آلاف والمسلمون بعد انخذال ابن أبيّ سبعمائة. وروى البيهقي عن ابن شهاب في رواية أخرى قال: كان المسلمون قريبا من أربعمائة رجل. قال البيهقيّ: وقول ابن شهاب الأول أشبه بما رواه موسى بن عقبة، وأشهر عند أهل المغازي.