القول الثاني: إن فيها الجلد دون العشرة، لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يجلد أحد فوق عشرة أسواط، إلا في حد.
والقول الثالث: اجتهاد الإمام في ذلك حسب ما يراه من سدّ الذريعة، وإغلاق باب الشرّ بالوعيد، وإما بالسّجن، وإما بالضرب. فإن قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعاقب الرجلين حين دعوا بها، قلنا: قد قال: دعوها فإنها منتنة، فقد أكّد النهي، فمن عاد إليها بعد هذا النهي، وبعد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالإنتان، وجب أن يؤدّب حتى يشمّ نتنها، كما فعل أبو موسى بالجعديّ، ولا معنى لنتنها إلا سوء العاقبة فيها، والعقوبة عليها.
السادس: في استئذان عبد الله بن عبد الله بن أبيّ في قتل أبيه المنافق، من أجل المقالة الخبيثة التي قالها.
وفي هذا العلم العظيم والبرهان النّيّر من أعلام النبوة، فإن العرب كانت أشدّ خلق الله حميّة وتعصّبا، فبلغ الإيمان منهم ونور اليقين من قلوبهم إلى أن يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده، تقرّبا إلى الله تعالى وتزلّفا إلى رسوله، مع إن النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس [نسبا] منهم، أي الأنصار، وما تأخّر إسلام قومه وبني عمّه وسبق إلى الإيمان به الأباعد إلا لحكمة عظيمة، إذ لو بادر أهله وأقربوه إلى الإيمان به لقيل: قوم أرادوا الفخر برجل منهم، وتعصّبوا له، فلما بادر إليه الأباعد وقاتلوا على حبّه من كان منهم، أو من غيرهم، علم أن ذلك عن بصيرة صادقة، ويقين قد تغلغل في قلوبهم، ورهبة من الله تعالى أزالت صفة قد كانت [سدكت] في نفوسهم من أخلاق الجاهلية، لا يستطيع إزالتها إلا الذي فطر الفطرة الأولى، وهو القادر على ما يشاء.
السابع: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لجويرية حتى عرف من حسنها ما عرف، وذلك لأنها كانت أمة مملوكة، ولو كانت حرة ما ملأ عينه منها، لأنه لا يكره النظر إلى الإماء. وجائز أيضا أن يكون نظر إليها لأنه نوى نكاحها، أو أن ذلك قبل أن تنزل آية الحجاب.
الثامن: وقع في هذه الغزوة حديث الإفك، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث في سنة خمس. قيل: وفيها نزلت آية التيمم، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث.
التاسع: في بيان غريب ما سبق:
الفرع- بالفاء والراء والعين المهملة وزن قفل- من أعمال المدينة.
تألّبوا: تجمّعوا.
استأصله: أهلكه.
كثيف- بكاف فمثلثة فتحتية ففاء- اسم يوصف به العسكر والسحاب والماء وكثف: