للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيت المقدس، ثم أوحى الله- تعالى- إليه: إني لأقضي بناءه على يد سليمان. وفي الحديث قصة.

قال ابن الجوزي- رحمه الله تعالى-: والجواب: أن الإشارة إلى أوّل البناء ووضع أساس المسجد وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، فقد روينا إن أول من بنى الكعبة آدم ثم انتشر ولده في الأرض فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس ثم بنى إبراهيم عليه السلام الكعبة بنصّ القرآن. وكذا قال القرطبي: إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان عليهما الصلاة والسلام لمّا بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما بل ذلك تجديد لما كان غيرهما أسسه.

قال الحافظ: وقد مشى ابن حبان [ (١) ] في صحيحه على ظاهر هذا الحديث فقال: في هذا الخبر ردّ على من زعم أن بين إسماعيل وداود- عليهما الصلاة والسلام- ألف سنة. ولو كان كما قال لكان بينهما أربعون سنة وهذا عين المحال لطول الزمان بالاتفاق بين بناء إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- البيت وبين موسى- عليه الصلاة والسلام. ثم إن في نص القرآن أن قصة داود في قتل جالوت كانت بعد موسى بمدة.

وقد تعقّبه الحافظ ضياء الدين المقدسي [ (٢) ] بنحو ما أجاب به ابن الجوزي.

قال الخطّابي [ (٣) ] : يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله تعالى قبل بناء داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام، ثم داود وسليمان، فزادا فيه وسعاً


[ (١) ] محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد التميمي، أبو حاتم البستي، ويقال له ابن حبّان: مؤرخ، علّامة، جغرافي، محدث. ولد في بست (من بلاد سجستان) وتنقل في الأقطار، فرحل إلى خراسان والشام ومصر والعراق والجزيرة. وتولى قضاء سمرقند مدة، ثم عاد إلي نيسابور، ومنها إلى بلده، حيث توفي في عشر الثمانين من عمره.
وهو أحد المكثرين من التصنيف. قال ياقوت: أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره، وكانت الرحلة في خراسان إلى مصنفاته. من كتبه «المسند الصحيح» في الحديث، يقال: إنه أصح من سنن ابن ماجه، و «روضة العقلاء- ط» في الأدب، و «الأنواع والتقاسيم» . توفي ٣٥٤. الأعلام ٦/ ٧٨.
[ (٢) ] محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي، المقدسي الأصل، الصالحي الحنبلي، أبو عبد الله، ضياء الدين: عالم بالحديث، مؤرخ. من أهل دمشق، مولدا ووفاة. بنى فيها مدرسة دار الحديث الضيائية المحمدية بسفح قاسيون، شرقي الجامع المظفري، ووقف بها كتبه. ورحل إلى بغداد ومصر وفارس، وروى عن أكثر من ٥٠٠ شيخ.
من كتبه «الأحكام» في الحديث، لم يتمه. توفي ٦٤٣. الأعلام ٦/ ٢٥٥.
[ (٣) ] حمد- بفتح الحاء وسكون الميم، وقيل: اسمه أحمد- بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، أبو سليمان البستي المعروف بالخطابي، قيل إنه من ولد زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي. قال الذهبي: ولم يثبت. كان رأسا في علم العربية والفقه والأدب وغير ذلك. أخذ الفقه عن أبي علي بن أبي هريرة وأبي بكر القفال وغيرهما، وأخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد. وصنف التصانيف النافعة المشهورة، منها «معالم السنن» تكلم فيها على سنن أبي داود، و «أعلام البخاري» و «غريب الحديث» ، و «شرح أسماء الله الحسنى» و «كتاب الغنية عن الكلام وأهله» و «كتاب العزلة» ، وله شعر حسن. نقل عنه النووي في التهذيب شيئا في اللغة ثم قال: ومحله من العلم مطلقا خصوصا الغاية العليا. توفي ببست في ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. انظر الطبقات لابن قاضي شهبة ١/ ١٥٦، ١٥٧.