تحزّبوا عليه، وأنهم بعثوا إلى قريظة: أنه قد طال ثواؤنا وأجدب ما حولنا، وقد جئنا لنقاتل محمدا وأصحابه، فنستريح منه، فأرسلت إليهم قريظة: نعم ما رأيتم فإذا شئتم، فابعثوا بالرّهن، ثم لا يحبسكم إلّا أنفسكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنعيم:«فإنهم قد أرسلوا إليّ يدعونني إلى الصلح، وأردّ بني النّضير إلى ديارهم وأموالهم» ، فقال نعيم: يا رسول الله فمرني بما شئت، والله لا تأمرني بأمر إلا مضيت له، قال: وقومي لا يعلمون بإسلامي ولا غيرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنما أنت فينا رجل واحد فخذّل عنّا الناس ما استطعت، فإنّ الحرب خدعة» . قال: أفعل، ولكن يا رسول الله إنّي أقول فأذن لي فأقول، قال:«قل ما بدا لك، فأنت في حلّ» .
قال: فذهبت حتى جئت بني قريظة فلما رأوني رحّبوا بي وأكرموني، وعرضوا عليّ الطعام والشراب، فقلت: إني لم آت لطعام وشراب، إنما جئتكم نصبا بأمركم وتخوّفا عليكم، لأشير عليكم برأي، وقال: قد عرفتم ودّي إيّاكم وخاصة ما بيني وبينكم، فقالوا: قد عرفنا ولست عندنا بمتّهم، وأنت عندنا على ما نحبّ من الصّدق والبرّ، قال: فاكتموا عنّي. قالوا:
نفعل. قال: إنّ أمر هذا الرجل بلاء- يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- صنع ما رأيتم ببني قينقاع وبني النّضير، وأجلاهم عن بلادهم بعد قبض الأموال، وإنّ ابن أبي الحقيق قد سار فينا، فاجتمعنا معه لننصركم، وأرى الأمر قد تطاول كما ترون، وإنكم والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة، أما قريش وغطفان فإنهم قوم جاءوا سيّارة حتى نزلوا حيث رأيتم، فإن وجدوا فرصة انتهزوها، وإن كانت الحرب فأصابهم ما يكرهون انشمروا إلى بلادهم، وأنتم لا تقدرون على ذلك، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، وقد كبر عليهم جانب محمد، أجلبوا عليه بالأمس إلى الليل، فقتل رأسهم عمرو بن عبد ودّ، وهربوا منه مجروحين، لا غنى بهم عنكم، لما يعرفون عندكم، فلا تقاتلوا مع قريش ولا غطفان حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم، تستوثقون به منهم ألا يبرحوا حتى يناجزوا محمدا. قالوا: أشرت علينا بالرّأي والنّصح، ودعوا له وشكروه، وقالوا: نحن فاعلون. قال: ولكن اكتموا عليّ، قالوا: نفعل.
ثم أتى نعيم أبا سفيان بن حرب في رجال من قريش. فقال: أبا سفيان جئتك بنصيحة، فاكتم عليّ. قال: أجل. قال: تعلم أنّ بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا فيما بينهم وبين محمد، فأرادوا إصلاحه ومراجعته، أرسلوا إليه وأنا عندهم، إنّا سنأخذ من قريش وغطفان من أشرافهم سبعين رجلا، نسلمهم إليك تضرب أعناقهم، وتردّ جناحنا الذي كسرت إلى ديارهم- يعنون بني النضّير- ونكون معك على قريش حتى نردّهم عنك. فإن بعثوا إليكم يسألونكم رهنا فلا تدفعوا إليهم شيئا، واحذروهم على أشرافكم، ولكن اكتموا عليّ، ولا تذكروا من هذا حرفا، قالوا: لا نذكره.