ذكر محمد بن عمر وابن سعد، وجزم به الدّمياطي، وقيل لخمس- كما جزم به في الإشارة- خلون من ذي الحجة، وأمر بهم فأدخلوا المدينة، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالسّبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد، والنّساء والذّرّية إلى دار رملة بنت الحارث، ويقال حبسوا جميعا في دار رملة، وأمر لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بأحمال تمر فنثرت لهم، فباتوا يكدمونها كدم الحمر، وأمر بالسّلاح والأثاث والمتاع والثياب فحمل إلى دار ابنة الحارث وبالإبل والغنم ترعى هناك في الشّجر، فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غدا إلى السّوق، فأمر بأخدود فخدّت في السّوق ما بين موضع دار أبي الجهم العدوي إلى أحجار الزّيت، فكان أصحابه هناك يحفرون، وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعه علية أصحابه ودعا برجال بني قريظة، فكانوا يخرجون أرسالا، تضرب أعناقهم في تلك الخنادق، فقالوا لكعب بن أسد- وهم يذهب بهم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أرسالا: يا كعب، ما ترى محمدا يصنع بنا؟ قال: ما يسوءكم، ويلكم! على كل حال لا تعقلون!! ألا ترون الدّاعي لا ينزع، وأنّه من ذهب منكم لا يرجع؟ هو والله السّيف، قد دعوتكم إلى غير هذا فأبيتم عليّ قالوا: ليس هذا بحين عتاب، لولا أنّا كرهنا أن نزرى برأيك ما دخلنا في نقض العهد الّذي كان بيننا وبين محمّد، قال حيّ بن أخطب: اتركوا ما ترون من التّلاوم، فإنه لا يردّ عنكم شيئا، واصبروا للسيف، وكان الذين يلون قتلهم علي ابن أبي طالب والزبير بن العوام وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر، فقالا: يا رسول الله، إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم، فقال سعد بن معاذ: ما كرهه من الأوس أحد فيه خير، فمن كرهه فلا أرضاه الله. فقام أسيد بن الحضير- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله: لا تبقين دارا من دور الأوس إلّا فرّقتهم فيها، فمن سخط فلا يرغم الله إلّا أنفه، فابعث إلى داري أوّل دورهم، ففرّقهم في دور الأوس فقتلوهم، ثمّ أتي بحييّ بن أخطب [ (١) ] مجموعة يداه إلى عنقه، عليه حلّة شقحيّة.
وقال ابن إسحاق: فقاحيّة قد لبسها للقتل، ثمّ عمد إليها فشّقها أنملة أنملة لئلّا يسلبه أيّاها أحد. فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين طلع:«ألم يمكّن الله منك يا عدو الله: قال بلى والله، أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العزّ في مكانه فأبى الله إلا أن يمكنك. ولقد قلقلت كل مقلقل، ولكنه من يخذل الله يخذل. ثم أقبل علي الناس فقال: أيها الناس، لا بأس بأمر الله، قدر وكتاب وملحمة كتبت على بني إسرائيل! ثمّ جلس فضربت عنقه، وأتي بنبّاش بن قيس وقد جابذ الذي جاء به حتى قاتله فدقّ الذي جاء به أنفه فأرعفه.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- للذي جاء به «لم صنعت هذا به. أما كان في السّيف كفاية؟» فقال: يا
[ (١) ] حيي بن اخطب النضري: جاهلي. من الأشداء العتاة. كان ينعت بسيد الحاضر والبادي. أدرك الإسلام وآذى المسلمين. فأسروه يوم قريظة. ثم قتلوه. توفي سنة ٥ هـ، الأعلام ٢/ ٢٩٢.