للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الغلام وأبوه. وأشار لها إلى موضع البيت.

وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله وإن الله لا يضيع أهله.

وفي حديث أبي جهم: فكان ثدياها يقطران لبناً وكان ذلك اللبن طعاماً وشراباً لإسماعيل وكانت تجتزئ بماء زمزم وقال لها الملك: لا تخافي أن ينفد هذا الماء وأبشري فإن ابنك سيشبّ ويأتي أبوه من أرض الشام فيبنيان ها هنا بيتاً يأتيه عباد الله تعالى من أقطار الأرض ملبّين الله جل ثناؤه شعثاً غبراً فيطوفون به، ويكون هذا الماء شراباً لضيفان الله تعالى الذين يزورون بيته. فقالت: بشرك الله تعالى بخير. وطابت نفسها وحمدت الله تعالى.

وأقبل غلامان من العماليق يريدان بعيراً لهما أخطأهما وقد عطشا، وأهلهما بعرفة فنظرا إلى طير تهوي قبل الكعبة فاستنكرا ذلك وقالا: أنّى يكون الطير على غير ماء؟! فقال أحدهما لصاحبه: أمهل حتى نبرد ثم نسلك في مهوى الطير. فأبردا ثم تروحا فإذا الطير ترد وتصدر فاتبعا الواردة منها حتى وقفا على أبي قبيس فنظرا إلى الماء وإلى العريش فنزلا وكلّما هاجر وسألاها متى نزلت فأخبرتهما. وقالا لمن هذا الماء؟ فقالت: لي ولولدي فقالا: من حفره؟

فقالت: سقيا من الله تعالى. فعرفا أن أحدا لا يقدر أن يحفر هناك ماء وعهدهما بماء هناك قريب وليس به ماء، فرجعا إلى أهلهما من ليلتهما فأخبراهم فتحولوا حتى نزلوا معهما على الماء فأنست بهم ومعهم الذرية فنشأ إسماعيل بين ولدانهم.

وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلّم يزور هاجر في كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام. فزارها بعد ونظر إلى من هناك من العماليق وإلى كثرتهم وغمارة الماء فسرّ بذلك.

ولما بلغ إسماعيل تزوج امرأة منهم من العماليق فجاء إبراهيم زائراً لإسماعيل وإسماعيل في ماشيته يرعاها ويخرج متنكباً قوسه فيرمي الصيد مع رعيته، فجاء إبراهيم إلى منزله فقال:

السلام عليكم يا أهل البيت. فسكتت امرأة إسماعيل فلم تردّ إلا أن تكون ردّت في نفسها.

فقال: هل من منزل؟ فقالت: لاها الله إذن. قال: فكيف طعامكم وشرابكم؟ فذكرت جهداً فقالت: أمّا الطعام فلا طعام وأما الشراب فإنما نحلب الشاة المصر أي الشّخب وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ. قال: فأين ربّ البيت؟ قالت: في حاجته. قال: فإذا جاء فأقرئيه السلام وقولي له: غيّر عتبة بابك. ورجع إبراهيم إلى منزله.

وأقبل إسماعيل راجعاً إلى منزله بعد ذلك بما شاء الله عز وجل، فلما انتهى إلى منزله سأل امرأته: هل جاءك أحد: فأخبرته بإبراهيم وقوله وما قالت له ففارقها وأقام ما شاء الله أن يقيم.