للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: يا أبا بكر: أليس هذا نبيّ الله حقا؟ قال: بلى. قال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟

أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدّنيّة في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال: أيّها الرّجل أنه رسول الله وليس يعصي ربّه، وهو ناصره فاستمسك بغرزه حتى تموت، فو الله إنه لعلى الحق. وفي لفظ فإنّه رسول الله. فقال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله، قال: أو ليس كان يحدّثنا أنّه سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قال: لا. قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. فلقي عمر من هذه الشّروط أمرا عظيما [ (١) ] . وقال كما في الصحيح: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، وجعل يردّ على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الكلام فقال أبو عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه-: ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول ما يقول، تعوّذ بالله من الشّيطان واتّهم رأيك، قال عمر:

فجعلت أتعوذ بالله من الشيطان حياء فما أصابني شيء قط مثل ذلك اليوم وعملت بذلك أعمالا- أي صالحة- لتكفر عني ما مضى من التوقف في امتثال الأمر ابتداء كما عند ابن إسحاق وابن عمر الأسلمي. قال عمر: فما زلت أتصدّق وأصوم وأصلّي وأعتق من الّذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الّذي تكلمت به حتّى رجوت أن يكون خيرا.

وروى البزار عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أردّ أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- برأيي، وما ألوت على الحق، قال: فرضي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبيت حتى قال: «يا عمر تراني رضيت وتأبى»

[ (٢) ] .

فقال سهيل: هات، اكتب بيننا وبينك كتابا،

فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عليّا- كما في حديث البراء عند البخاري في كتاب الصّلح وكتاب الجزية، ورواه إسحاق بن راهويه من حديث المسور ومروان، وأحمد، والنسائي، والبيهقي والحاكم- وصححه عن عبد الله بن مغفل [ (٣) ] ، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «اكتب بسم الله الرحمن الرّحيم» ، فقال سهيل- وأسلم بعد ذلك- أمّا الرّحمن الرّحيم فو الله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب اكتب في قضيّتنا ما نعرف. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا بسم الله الرحمن الرّحيم. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «اكتب باسمك اللهمّ» ثم قال: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم» فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن


[ (١) ] البخاري ٤/ ٢٦، ١٢٥، أخرجه مسلم ٣/ ١٤١٢ (٩٤/ ١٧٨٥) والطبراني في الكبير ٦/ ١٠٩ وابن سعد ١/ ١/ ٢٠، وانظر المجمع ٣/ ٣١٢، ٥/ ٦٧.
[ (٢) ] أخرجه الدولابي في الكنى ٢/ ٦٩.
[ (٣) ] عبد الله بن مغفل: بمعجمة وفاء ثقيلة، ابن عبيد بن نهم: بفتح النون وسكون الهاء، أبو عبد الرحمن المزني، صحابي، بايع تحت الشجرة، ونزل البصرة، مات سنة سبع وخمسين، وقيل بعد ذلك، التقريب ١/ ٤٥٣.