وروى الطبراني وغيره كما في القصّة عن الشّعبي [ورواه] ابن منده عن ذر بن حبيش- رحمهما الله- إن أول من بايع أبو سنان الأسدي، والجمع [ممكن] بينهما.
الثاني والعشرون: في حديث سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنهم بايعوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الموت، وفي حديث جابر وغيره: على أنّهم لا يفرّوا، وقال الحافظ:
لا تنافي بينهما، لأن المراد بالمبايعة على الموت ألّا يفرّوا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بدّ، وهو الّذي أنكره نافع وعدل إلى قولهم، بل بايعهم على النّصر، أي على الثّبات، وعدم الفرار، سواء أفضى ذلك إلى الموت أم لا. وقال في موضع آخر: من أطلق أن بيعته كانت على الموت أراد لازمها لأنّه إذا بايع على ألّا يفرّوا لزم من ذلك أن يثبت، والّذي يثبت إمّا أن يغلب وإمّا أن يؤسر، والذي يؤسر إمّا أن ينجو وإما أن يموت، ولمّا كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الرّاوي، وحاصله أنّ أحدهما حكى صورة البيعة والآخر حكى ما تؤول إليه.
الثالث والعشرون: من الصحابة رضي الله عنهم من بايع مرّتين، وهو عبد الله بن عمر، وقد اختلف في سبب مبايعته قبل أبيه رضي الله عنهما، كما تقدم في القصة عن نافع عنه.
وجمع بأنه بعثه يحضر الفرس ورأى الناس مجتمعين فقال أنظر ما شأنهم فغدا يكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع وتوجّه إلى الفرس فأحضرها، وأعاد حينئذ الجواب على أبيه فخرج وخرج معه فبايع عمر وبايع ابن عمر مرة أخرى.
الرابع والعشرون: من الصحابة رضي الله عنهم من بايع ثلاث مرات، وهو سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه- طلب ذلك منه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مع علمه بأنه بايع قبل.
قال المهلب: أراد صلى الله عليه وسلّم أن يؤكّد بيعته لسلمة لعلمه بشجاعته وغنائه في الإسلام وشهرته بالثبات، فلذلك أمره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون سلمة لما بدر إلى المبايعة ثم قعد قريبا، واستمرّ الناس يبايعون إلى أن خفوا، أراد صلى الله عليه وسلّم منه أن يبايع لتتوالى المبايعة معه ولا يقع فيها تخلّل، لأن العادة في مبدإ كل أمر أن يكثر من يباشره فيتوالى، فإذا تناهى قد يقع بين من سيجيء آخرا تخلّل ولا يلزم من ذلك اختصاص سلمة بما ذكره، والواقع أن الذي أشار إليه المهلب من حال سلمة في الشجاعة وغيرها لم يكن ظهر بعد» لأنه إنّما وقع منه بعد ذلك في غزوة ذي قرد كما سيأتي، حيث استعاد الصرح الّذي كان المشركون أغاروا عليه، فاستلب ثيابهم، وكان آخر أمره أن أسهم له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سهم الفارس والرّاجل.