ومنها قصة الشجرتين، وقصة تخفيف العذاب عن ميتين، وقصة نبع الماء من بين أصابعه، وقصة الدّابة التي ألقاها البحر لمّا شكا المسلمون من الجوع.
روى مسلم، وأبو نعيم، والبيهقي: عن جابر- رضي الله عنه- قال: سرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة ذات الرّقاع، حتى نزلنا واديا أفيح، وذهب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته، واتبعته بإداوة من ماء، فنظر فلم ير شيئاً يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، وقال:«انقادي عليّ بإذن الله تعالى» فانقادت منه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أنّت الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال:«انقادي عليّ بإذن الله تعالى» فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالنصف فيما بينهما لأم بينهما، يعني جمعهما فقال:«التئما عليّ بإذن الله تعالى» . فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحسّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقدمي فيبتعد فجلست أحدّث نفسي، فحانت منّي لفتة، فإذا أنا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقبل، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقف وقفة فقال برأسه:«هكذا يمينا وشمالا» . ثم أقبل، فلما انتهى إلى قال:«يا جابر! هل رأيت مقامي؟» قلت: نعم يا رسول الله.
قال:«فانطلق إلى الشّجرتين فاقطع من كلّ واحدة منهما غصنا وأقبل بهما، حتّى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك» . قال جابر: فقمت، فأخذت حجرا فكسرته وحسرته فانزلق لي، ثم أتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجترهما حتّى إذا قمت مقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت: قد فعلت يا رسول الله، فعمّ ذلك؟ قال: إني مررت بقبرين يعذّبان، فأحببت بشفاعتي أن يرحه عنهما ما دام القضيبان رطبين فأتينا العسكر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: يا جابر، ناد بالوضوء، فناديت: ألا وضوء ألا وضوء؟ يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- الماء في أشجاب له على حمازة من جريد، فقال:«انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟
فانطلقت إليه فنظرت فلم أجد فيها قطرة ماء إلّا قطرة في عزلاء شجب منها، لو انّي أفرغه بشربة يابسة؟ فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، قال: «اذهب فاتني به، فأتيته به، فأخذه بيده، فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو، ويغمزه بيده، ثم أعطانيه، فقال: «يا جابر، ناد بجفنة» ، فقلت: يا جفنة الركب فأتيت بها تحمل، فوضعت بين يديه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده هكذا، فبسطها في الجفنة، ففرّق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة، وقال:«خذ يا جابر، فصبّ عليّ، وقل بسم الله» فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، ففارت الجفنة، ودارت حتّى امتلأت. فقال: «يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء فأتى الناس فاستقوا