للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: هذا قبر أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم، فدعا ابن الزبير خمسين رجلاً من وجوه الناس وأشرافهم فأشهدهم على ذلك، وأدخل عبد الله بن مطيع العدوي [ (١) ] عتلة كانت بيده في ركن من أركان البيت فزعزعت الأركان كلها وارتجت جوانب البيت ورجفت مكة بأسرها رجفة شديدة وخافوا خوفاً شديداً، وطارت من الحجر قطعة فأخذها بيده، فإذا فيها نور مثل نار، فطارت منه برقة فلم يبق دار من دور مكة إلا دخله، ففزعوا، فقال ابن الزبير: اشهدوا. ثم وضع البناء على ذلك الأساس، وجعل لها بابين ملصقين بالأرض، فلما ارتفع البنيان إلى موضع الركن، وكان وقت الهدم قد جعله ابن الزبير في ديباجة وأدخله في تابوت وأقفل عليه وأدخله دار الندوة، وعمد إلى ما كان في الكعبة من حلى وثياب وطيب فوضعه في خزانة الكعبة في دار شيبة بن عثمان، فلما انتهى البناء إلى موضع الحجر أمر فنقر بين حجرين أحدهما من المدماك الذي تحته والآخر من الذي فوقه وطبّق ما بينهما.

ثم أمر ابن الزبير ابنه عباداً وجبير بن شيبة بن عثمان أن يجعلا الركن في ثوب وقال لهما: إذا فرغتما فكبّرا حتى أسمعكما فأخف صلاتي فلما وضعاه في موضعه كبّرا فتسامع الناس بذلك. فغضب رجال من قريش لذلك حيث لم يحضرهم ابن الزبير، وقالوا: ما رفعته قريش في الجاهلية حتى حكّموا أول من يدخل عليهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول داخل.

وكان الحجر قد انصدع بسبب الحريق فشدّه ابن الزبير بالفضة. قال ابن عون [ (٢) ] :

فنظرت إلى جوف الحجر حين انفلق كأنه الفضة.

وكانت الكعبة يوم هدمها ابن الزبير ثمانية عشر ذراعا في السماء، فلما بلغ البنيان هذا المبلغ قصرت لحال الزيادة في العرض من الحجر، فقال ابن الزبير: قد كانت تسعة أذرع في السماء قبل بناء قريش فزادت قريش تسعة أذرع، وأنا أزيد تسعة أذرع. فجعلها سبعة وعشرين ذراعا في السماء! وهي سبعة وعشرون مدماكاً، وعرض جدارها ذراعان. وجعل داخلها ثلاثة دعائم. وكانت قبل ذلك على ست دعائم صفّين، وأرسل إلى صنعاء فأتى برخام فجعله في الروازن لأجل الضوء، وجعل لبابها مصراعين طولهما أحد عشر ذراعاً، وجعل الباب الآخر بإزائه على هيئته وجعل لها درجاً من خشب معوجة يصعد منها إلى ظهرها. فلما فرغ من بنائها


[ (١) ] عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي المدني، له رؤية، وكان رأس قريش يوم الحرّة، وأمره ابن الزبير على الكوفة، ثم قتل معه سنة ثلاث وسبعين. التقريب ١/ ٤٥٢.
[ (٢) ] عبد الله بن عون بن أرطبان المزني مولاهم أبو عون الخرّاز بفتح المعجمة والمهملة البصري أحد الأعلام. عن عطاء ومجاهد، وسالم، والحسن، والشّعبي، وخلق. وعنه شعبة، والثوري، وابن عليّة، ويحيى القطان وخلائق. قال ابن مهدي: ما أحد أعلم بالسنة بالعراق من ابن عون وقال روح بن عبادة: ما رأيت أعبد منه. قال يحيى القطان: مات سنة إحدى وخمسين ومائة. الخلاصة ٢/ ٨٦.