فأتى عثمان بن عفان- رضي الله عنه- فقال أنه ليس في القوم أحد أقرب رحما منك، فزد في المدة، وجدّد العهد، فإنّ صاحبك لا يردّه عليك أبدا، فقال عثمان: جواري في جوار رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
فأتى عليا- رضي الله تعالى عنه- فقال: يا علي إنك أمسّ القوم بي رحما، وإني جئت في حاجة فلا أرجع كما جئت خائبا، فاشفع لي إلى محمد. فقال: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فأتى سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- فقال: يا أبا ثابت أنت سيد هذه البحيرة فأجر بين الناس، وزد في المدة، فقال سعد: جواري في جوار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما يجير أحد على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأتى أشراف قريش والأنصار فكلهم يقول جواري في جوار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما يجير أحد على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فما أيس ممّا عندهم، دخل على فاطمة الزهراء- رضي الله عنها- والحسن غلام يدبّ بين يديها فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تجيري بين النّاس؟ فقالت: إنّما أنا امرأة، وأبت عليه، فقال: مري ابنك هذا- أي الحسن بن علي- رضي الله عنهما- فيجير بين النّاس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر. قالت: والله ما بلغ ابني ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم.
فقال لعلي: يا أبا الحسن!! إن أرى الأمور قد اشتدّت عليّ فانصحني، قال: والله ما أعلم شيئا يغنى عنك شيئا، ولكنك سيّد بني كنانة وقال: صدقت، وأنا كذلك. قال: فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك، قال: أو ترى ذلك مغنيا عنّي شيئا؟ قال: لا والله، ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد،
ثم دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد إني قد أجرت بين الناس فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة!!» ثم ركب بعيره وانطلق.
وكان قد احتبس وطالت غيبته، وكانت قريش قد اتّهمته حين أبطأ أشدّ التهمة، قالوا:
والله إنّا نراه قد صبأ، واتّبع محمدا سرا وكتم إسلامه.
فلما دخل على هند امرأته ليلا، قالت: لقد احتبست حتّى اتّهمك قومك، فإن كنت مع الإقامة جئتهم بنجح فأنت الرجل، ثم دنا منها فجلس مجلس الرجل من امرأته. فقالت ما صنعت؟ فأخبرها الخبر، وقال: لم أجد إلّا ما قال لي عليّ، فضربت برجلها في صدره وقالت:
قبّحت من رسول قوم، فما جئت بخير.
فلما أصبح أبو سفيان حلق رأسه عند إساف ونائلة، وذبح لهما، وجعل يمسح بالدم