وعند ابن إسحاق وعند ابن عساكر من طريق أبي الزبير عن جابر- رضي الله عنه- أن امرأة من قريش عارضت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بهذا الشّعر، فكأنّ ضرارا أرسل به المرأة ليكون أبلغ في انعطاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على قريش:
يا نبيّ الهدى إليك لجا ... حيّ قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأر ... ض وعاداهم إله السّماء
والتقت حلقتا البطان على القو ... م ونودوا بالصّيلم الصّلعاء
إنّ سعدا يريد قاصمة الظّه ... ر بأهل الحجون والبطحاء
خزرجيّ لو يستطيع من الغي ... رمانا بالنّسر والعوّاء
وغر الصّدر لا يهمّ بشيء ... غير سفك الدّما وسبي النّساء
قد تلظّى على البطاح وجاءت ... عنه هند بالسّوءة السّواء
إذ ينادي بذلّ حيّ قريش ... وابن حرب بذا من الشّهداء
فلئن أقحم اللّواء ونادى ... يا حماة الأدبار أهل اللّواء
ثمّ ثابت إليه من بهم الخز ... رج والأوس أنجم الهيجاء
لتكوننّ بالبطاح قريش ... فقعة القاع في أكفّ الإماء
فأنهينه فإنّه أسد الأس ... د لدى الغاب والغ في الدّماء
إنّه مطرق يريد لنا الأم ... ر سكوتا كالحيّة الصّمّاء
فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى سعد، فنزع اللواء من يده، وجعله إلى ابنه قيس بن سعد، ورأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن اللواء لم يخرج من يد سعد، حتى صار إلى ابنه.
قال محمد بن عمر: فأبى سعد أن يسلم اللّواء إلّا بأمارة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- بعمامته، فدفع اللّواء إلى ابنه قيس، ويقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر عليا فأخذ الرّاية، فذهب بها إلى مكة حتى غرزها عند الركن.
قال أبو عمر- رحمه الله تعالى-: قد روي إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أعطى الرّاية للزبير إذ نزعها من سعد.
وروى أبو يعلى عن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دفعها إليه فدخل بلواءين، وبه جزم موسى بن عقبة [ (١) ] .
قال الحافظ: والذي يظهر في الجمع أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسل عليّا لينزعها، وأن
[ (١) ] انظر المصدر السابق.