للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من عنقها،

فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المسجد، خرج أبو بكر بأبيه- رضي الله عنهما- يقوده، وكان رأس أبي قحافة ثغامة، فلما رآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه» ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه، فأجلسه بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فمسح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صدره، وقال: أسلم تسلم، فأسلم، ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال: أنشدكم بالله والإسلام طوق أختي، فو الله ما جاء به أحد، ثم قال الثالثة فما جاء به أحد، فقال: يا أخيّة، احتسبي طوقك، فو الله إنّ الأمانة في الناس اليوم لقليل

[ (١) ] .

وروى البيهقي بسند جيد قوي عن ابن وهب قال: أخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر: أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أخذ بيد أبي قحافة، فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما وقف به على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: غيّروه ولا تقربوه سوادا [ (٢) ] .

قال ابن وهب: وأخبرني عمر بن محمد عن زيد بن أسلم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- هنأ أبا بكر بإسلام أبيه.

وروى الإمام أحمد، وابن حبان عن أنس- رضي الله عنه- قال: جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوم فتح مكة يحمله حتّى وضعه بين يديه فقال لأبي بكر: «لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه» - تكرمة لأبي بكر- فأسلم ورأسه ولحيته كالثّغامة، فقال غيروهما قال قتادة هو أول مخضوب في الإسلام. وروى مسلم عن جابر قال: أتى بأبي قحافة عام الفتح ورأسه ولحيته مثل الثغامة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «غيّروا هذا بشيء وجنبوه السواد» .

قال البلاذريّ: ورمى بعض المسلمين أبا قحافة فشجّه، وأخذت قلادة أسماء ابنته، فأدركه أبو بكر وهو يستدمي، فمسح الدم عن وجهه انتهى.

قالوا: وجاء خالد بن الوليد إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له: «لم قاتلت، وقد نهيت عن القتال» ؟ قال: هم يا رسول الله بدءونا بالقتال، ورشقونا النّبل، ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت ما استطعت، وقد دعوتهم إلى الإسلام، وأن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، فأبوا، حتى إذا لم أجد بدا قاتلتهم فظفّرنا الله- تعالى- عليهم، فهربوا في كل وجه يا رسول الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «كفّ عن الطّلب» قال: قد فعلت: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «قضاء الله خير» ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «كفّوا السّلاح إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة العصر» فخبطوهم


[ (١) ] أخرجه الواقدي في المغازي ٢/ ٨٢٤، والبيهقي في الدلائل ٤/ ٩٥.
[ (٢) ] أخرجه البيهقي في الدلائل ٤/ ٩٦.