أحمر بأسا قد قيّل في الحاضر فليس إليهم سبيل، وإنّ له غطيطا لا يخفى، فدعوني اتسمّع فتسمع الحسّ فسمعه، فأتاه حتّى وجده نائما فقتله، وضع السّيف على صدره، ثم اتكأ عليه فقتله ثم حملوا على الحيّ فصاح الحيّ يا أحمر بأسا، فلا شيء لأحمر بأسا، قد قتل- فنالوا من الحيّ حاجتهم، ثم انصرفوا وتشاغل النّاس بالإسلام، فلما كان بعد الفتح بيوم دخل جنيدب بن الأدلع الهذلي مكّة يرتاد وينظر والناس آمنون، فرآه جندب بن الأعجم الأسلميّ فقال: جنيدب بن الأدلع قاتل أحمر بأسا؟ قال: نعم فمه، فخرج جندب يستجيش عليه حيّه، فكان أول من لقي خراش بن أميّة الكعبي فأخبره. فاشتمل خراش على السّيف ثمّ أقبل إليه- والنّاس حوله، وهو يحدّثهم عن قتل أحمر بأسا فبينما هم مجتمعون عليه إذ أقبل خراش بن أميّة فقال: هكذا عن الرجل. فو الله ما ظنّ النّاس إلّا أنه يفرّج النّاس عنه لينصرفوا، فانفرجوا فحمل عليه خراش بن أميّة بالسّيف فطعنه به في بطنه وابن الأدلع مستند إلى جدار من جدر مكّة، فجعلت حشوته تسيل من بطنه، وإن عينيه لتزنّقان في رأسه، وهو يقول: فعلتموها يا معشر خزاعة؟ فانجعف فوقع فمات.
فسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال:«يا معشر خزاعة» ارفعوا أيديكم عن القتل، فقد كثر القتل، لقد قتلتم قتيلا لأدينّه، إنّ خراشا لقتّال- يعيبه بذلك.
لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلت خراشا
[ (١) ] .
وروى الشيخان والترمذي عن ابن شريح خويلد بن عمرو العدوي، والشيخان عن ابن عباس، وابن منيع بسند صحيح، وابن أبي عمرو. والإمام أحمد، والبيهقي عن ابن عمر، وابن أبي شيبة، والشيخان عن أبي هريرة- رضي الله عنهم- وابن أبي شيبة عن الزهري، وابن إسحاق عن بعض أهل العلم، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: لمّا كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه- وهو مشرك- فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطيبا بعد الظهر، وأسند ظهره إلى الكعبة.
وعند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة: أنه- صلى الله عليه وسلّم- ركب راحلته فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «أيها الناس أن الله تعالى حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض ويوم خلق الشّمس والقمر، ووضع هذين الجبلين، ولم يحرمها الناس، فهي حرام إلى يوم القيامة، فلا يحلّ لامرء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً ولا يعضد فيها شجرا، لم تحل لأحد كان قبلي، ولم تحل لأحد يكون بعدي، ولم تحلّ لي إلّا هذه السّاعة غضبا على أهلها- ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد قاتل فيها فقولوا له: إن الله تعالى قد أحلّها لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يحلّها لكم،
[ (١) ] أخرجه الطحاوي في المعاني ٣/ ٣٢٧ وانظر الفتح ١٢/ ٢٠٦ والبداية ٤/ ٣٠٥.