التاسع: قال القاضي أبو بكر بن العربي- رحمه الله تعالى- إنّما أنكر العباس على أبي سفيان ذكر الملك مجرّدا من النبوة، مع أنه كان في أول دخوله الإسلام، وإلّا فجائز أن يسمّى مثل هذا ملكا وإن كان لنبيّ، فقد قال الله سبحانه وتعالى في داود وَشَدَدْنا مُلْكَهُ [ص ٢٠] وقال سليمان وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص ٣٥] غير أن الكراهة أظهر في تسمية حال النبي- صلى الله عليه وسلم- ملكا، لما جاء في الحديث: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- خير بين أن يكون نبيا عبدا، أو نبيا ملكا، فالتفت إلى جبريل، فأشار إليه أن تواضع، فقال: بل نبياً عبداً، أشبع يوما وأجوع يوما» . وإنكار العبّاس على أبي سفيان يقوّي هذا المعنى، وأمر الخلفاء الأربعة بعده أيضا يكره أن يسمّى ملكا، لقوله- صلى الله عليه وسلّم «تكون بعدي خلفاء، ثم تكون أمراء، ثم يكون ملوك، ثم يكون جبابرة» .
العاشر: السّاعة الّتي أحلّ للنبي- صلى الله عليه وسلّم- القتل فيها بمكّة من صبيحة يوم الفتح إلى العصر كما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنهما.
الحادي عشر: لا مخالفة بين حديث نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بالمحصّب، وبين حديث أمّ هانئ، أنه- صلى الله عليه وسلم- نزل في بيت أم هانئ، لأنه- صلى الله عليه وسلم- لم يقم في بيت أم هانئ وإنّما نزل به حتى اغتسل وصلّى، ثم رجع إلى حيث ضربت خيمته عند شعب أبي طالب، وهو المكان الّذي حصرت فيه قريش المسلمين قبل الهجرة كما تقدم بيان ذلك.
الثاني عشر: اختلف في قاتل ابن خطل، روى ابن أبي شيبة من طريق أبي عثمان النهدي: أن أبا برزة الأسلميّ قتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة وإسناده صحيح مع إرساله، وله شاهد عند ابن المبارك في كتاب البرّ والصّلة من حديث أبي برزة نفسه. ورواه الإمام أحمد من وجه آخر. قال الحافظ: وهو أصحّ ما ورد في تعيين قاتله، وبه جزم البلاذري وغيره من أهل العلم بالأخبار. وتحمل بقيّة الرّوايات على أنهم ابتدروا قتله، فكان المباشر له منهم أبو برزة، ويحتمل أن يكون غيره شاركه فيه، فقد جزم ابن هشام بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله، وقد قيل: قتله الزبير بن العوام. وقيل شريك بن عبدة العجلاني.
الثالث عشر: وقع في حديث أم هانئ عند البخاري: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- اغتسل في بيتها، وفي حديثها عند مسلم: أنّها ذهبت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو بأعلى مكّة، فوجدته يغتسل، وفاطمة تستره، ويجمع بينهما بأن ذلك تكرّر منه، ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أم هانئ وفيه: أن أبا ذر ستره لمّا اغتسل، ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكّة وكانت هي في بيت آخر بمكّة، فجاءت إليه فوجدته يغتسل، فيصحّ القولان، وأما المتستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل، والآخر في أثنائه.