ومحمد بن عمر- رحمهم الله تعالى- عن شيوخهم [ (١) ] زاد ابن عقبة: أن الجدّ بن قيس أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد معه نفر، فقال: يا رسول الله ائذن لي في القعود، فإني ذو ضبعة وعلّة فيها عذر لي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «تجهّز فإنّك موسر» ، ثم اتفقوا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تجهز تجهز فإنك موسر، لعلّك تحقب من بنات بني الأصفر؟» قال الجدّ: أو تأذن لي ولا تفتنّي، فو الله لقد عرف قومي ما أحد أشد عجبا بالنساء منّي، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألّا أصبر عنهن، فأعرض عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال:«قد أذنّا لك»
زاد محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- فجاءه ابنه عبد الله بن الجدّ- وكان بدريّا- وهو أخو معاذ بن جبل لأمه، فقال لأبيه: لم تردّ على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مقالته فو الله ما في بني سلمة أحد أكثر مالا منك، فلا تخرج ولا تحمل؟! فقال: يا بني ما لي وللخروج في الريح والحرّ الشديد والعسرة إلى بني الأصفر، فو الله ما آمن- خوفا- من بني الأصفر وأنا في منزلي، أفأذهب إليهم أغزوهم؟! إني والله يا بني عالم بالدوائر، فأغلظ له ابنه وقال: لا والله ولكنّه النفاق، والله لينزلن على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيك قرآن يقرأ به، فرفع نعله فضرب به وجه ولده، فانصرف ابنه ولم يكلمه، وأنزل الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [التوبة ٤٩] أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة أكبر بتخلفه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والرغبة بنفسه عن نفسه، يقول: وإن جهنم لمن ورائه.
وجعل الجدّ وغيره من المنافقين يثبّطون المسلمين عن الخروج، قال الجدّ لجبّار بن صخر ومن معه من بني سلمة: لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد، وشكّا في الحق، وإرجافا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [التوبة ٨١، ٨٢] .
وروى ابن هشام- رحمه الله تعالى- عن عبد الله بن حارثة- رضي الله تعالى عنه- قال: بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبّطون الناس عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، فبعث إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم اليهودي ففعل طلحة، واقتحم الضّحّاك بن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا.
[ (١) ] أخرجه البيهقي في السنن ٩/ ٣٣ وفي الدلائل ٥/ ٢٢٥ وانظر الدر المنثور ٣/ ٢٤٨.