قال نقلا عن شيوخه: «مشت بنو لحيان من هذيل، بعد قتل سفيان [بن خالد] بن نبيح الهذلي إلى عضل والقارة، وهما حيّان، فجعلوا لهم فرائض أن يقدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيكلّموه فيخرج إليهم نفرا من أصحابه يدعونهم إلى الإسلام. قالوا: فنقتل من أردنا ونسير بهم إلى قريش بمكة، فنصيب بهم ثمنا، فإنه ليس شيء أحب إليهم من أن يؤتوا بأحد من أصحاب محمد يمثلون به ويقتلونه بمن قتل منهم ببدر. فقدم سبعة نفر من عضل والقارة [وهما حيّان إلى خزيمة] مقرّين بالإسلام. فقالوا:(يا رسول اللَّه، إن فينا إسلاما فاشيا، فابعث معنا نفرا من أصحابك يقرئوننا القرآن ويفقّهوننا في الإسلام) . فبعث معهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبعة نفر، وأمّر عليهم مرثد بن أبي مرثد، ويقال عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. قلت وهو الصحيح، فقد رواه البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه. فخرجوا مع القوم حتى إذا كانوا بالهدّة- وفي رواية بالهدأة بين عسفان ومكة.
قال أبو هريرة وعروة وابن عقبة: فغدروا بهم فنفروا لهم، وفي لفظ، فاستصرخوا عليهم قريبا من مائة رام، وفي رواية في الصحيح في الجهاد:«فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل» .
والجمع واضح بأن تكون المائة الأخرى غير رماة. وذكر أبو معشر في مغازيه أن الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم نزلوا بالرجيع سحرا، فأكلوا تمر عجوة فسقط نواة في الأرض وكانوا يسيرون بالليل ويكمنون النهار. فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما فرأت النّويّ فأنكرت صغرهن، وقالت هذا تمر يثرب، فصاحت في قومها:«قد أتيتم، فاقتصوا آثارهم حتى نزلوا منزلا فوجدوا فيه نوى تمر تزوّدوه من المدينة فجاءوا في طلبهم فوجدوهم قد ركنوا في الجبل، انتهى. فلم يرع القوم إلا بالرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم. فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد، وفي لفظ قردد، بواد يقال له غران.
وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: «لكم العهد والميثاق أن نزلتم إلينا ألّا نقتل منكم رجلا، إنّا واللَّه لا نريد قتلكم، إنما نريد أن نصيب منكم شيئا من أهل مكة» . فقال عاصم:«أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم إني أحمي لك اليوم دينك فاحم لحمي، اللهم أخبر عنا رسولك» .
قال إبراهيم بن سعد كما رواه أبو داود الطيالسي:«فاستجاب اللَّه تعالى لعاصم فأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبره وخبر أصحابه بذلك يوم أصيبوا» . وفي حديث أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه كما في الصحيح: [ (١) ] وأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم أصيبوا خبرهم، فقاتلوهم فرموهم حتى قتلوا عاصما في سبعة [في نفر النّبل] . وبقي خبيب، وزيد، وعبد اللَّه بن طارق كما عند ابن