للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى الأزرقي عن ابن جريج- رحمه الله تعالى- قال: الحطيم ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر، وكان إساف ونائلة (رجل وامرأة) دخلا الكعبة فقبّلها فيها فمسخا حجرين فأخرجا من الكعبة فنصب أحدهما في مكان زمزم والآخر في وجه الكعبة يعتبر بهما الناس ويزدجروا عن مثل ما ارتكبا، فسمّي هذا الموضع الحطيم لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالأيمان ويستجاب فيه الدعاء على الظالم للمظلوم، فقلّ من دعا هنالك على ظالم إلا هلك، وقلّ من حلف هنالك إثماً إلا عجلت عليه العقوبة، وكان ذلك يحجز بين الناس عن الظلم ويتهيب الناس الأيمان هنالك، فلم يزل ذلك كذلك حتى جاء الله تعالى بالإسلام فأخّر الله تعالى ذلك لما أراد إلى يوم القيامة.

تنبيه: في الأحاديث السابقة أن الله تعالى حرّم مكة. ولا يخالف ذلك ما

رواه الإمام أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرّمت المدينة»

[ (١) ] لأن المعنى: أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده، أو أن الله قضى يوم خلق السموات والأرض أن إبراهيم سيحرّم مكة. أو المعنى: أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس وكانت قبل ذلك عند الله حراماً، وأول من أظهره بعد الطوفان.

وقال القرطبي [ (٢) ] معنى الأحاديث السابقة: أن الله تعالى حرّم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لأحد. ولا لأحد فيه مدخل، ولأجل هذا أّكد هذا المعنى بقوله: «ولم يحرمها الناس» .

والمراد بقوله: ولم يحرمها الناس أن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه. أو المراد: أنها من محرّمات الله تعالى فيجب امتثال ذلك، وليس ذلك من محرمات الناس، يعني في الجاهلية كما حرّموا أشياء من عند أنفسهم، فلا يسوغ الاجتهاد في تركه. وقيل معناه: أن حرمتها مستمرة من أول الخلق وليس مما اختصت به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم.


[ (١) ] أخرجه مسلم ٢/ ٩٩٢ كتاب الحج (٤٥٨- ١٣٦٢) .
[ (٢) ] محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي، أبو عبد الله، القرطبي: من كبار المفسرين، صالح متعبد. من أهل قرطبة. رحل إلى الشرق واستقر بمنية بن خصيب في شمالي أسيوط، بمصر وتوفي فيها. من كتبه «الجامع لأحكام القرآن» وكان ورعا متعبدا، طارحا للتكلف، يمشي بثوب واحد وعلى رأسه طاقية. توفي سنة ٦٧١ هـ. الأعلام ٥/ ٣٢٢.