للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرّار فررتم في سبيل اللَّه. قال: فيقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ليسوا بالفرّار ولكنهم الكرّار إن شاء اللَّه تعالى» [ (١) ] .

وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما قال: «كنت في سرية من سرايا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فحاص الناس وكنت فيمن حاص.

وفي رواية: فلما لقينا العدوّ في أول غادية فأردنا أن نركب البحر فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف؟

ثم قلنا لو دخلنا المدينة [قتلنا] ، فقدمنا المدينة في نفر ليلا فاختفينا. ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاعتذرنا إليه، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا. فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال: «من القوم؟» . قلنا نحن الفرّارون، قال: «بل أنتم الكرّارون وأنا فئتكم» . أو قال: «وأنا فئة كل مسلم» . قال: فقبّلنا يده [ (٢) ] .

وروى ابن إسحاق عن أم سلمة [زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم] رضي اللَّه تعالى عنهما أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومع المسلمين؟ قالت: واللَّه ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس: يا فرّار فررتم من سبيل اللَّه، حتى قعد في بيته فما يخرج، وكان في غزوة مؤتة.

وعن خزيمة بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه قال: «حضرت مؤتة وبرز لي رجل منهم فأصبته وعليه بيضة فيها ياقوتة فلم يكن همّي إلا الياقوتة فأخذتها. فلما انكشفنا رجعنا إلى المدينة فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنفّلنيها، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار فاشتريت بها حديقة نخل» . رواه البيهقي.

قال في البداية: لعل طائفة منهم فرّوا لما عاينوا كثرة جموع العدو على ما ذكروه مائتي ألف، وكان المسلمون ثلاثة آلاف، ومثل هذه يسوّغ الفرار، فلما فرّ هؤلاء ثبت باقيهم وفتح اللَّه عليهم وتخلّصوا من أيدي أولئك وقتلوا منهم مقتلة عظيمة كما ذكره الزهري وموسى بن عقبة والعطّاف بن خالد، وابن عائذ، وحديث عوف بن مالك السابق يقتضي أنهم غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم وقتلوا من أمرائهم وقد تقدم فيما رواه البخاري أن خالدا رضي اللَّه تعالى عنه قال: «اندقت في يدي تسعة أسياف إلخ» يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلا ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم وهذا وحده دليل مستقل.


[ (١) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢/ ١/ ٩٣.
[ (٢) ] أخرجه أبو داود ٢/ ٥٢ (٢٦٤٧) . والترمذي ٤/ ١٨٦ (١٧١٦) . وأحمد في المسند ٢/ ١١١ والبيهقي في السنن ٩/ ٧٨ وأبو نعيم في الحلية ٩/ ٥٧.