وهي امرأة عجوز فتضرعت إليه تشفع لابنها وأبى إلا أن يقطع يده، فقالت: اضرب بمعولك اليوم لك وغداً لغيرك. فقال: ويحك ما قلت؟ قالت: نعم، صار هذا الملك من غيرك إليك، وكذلك يصير إلى غيرك: فأخذته موعظتها وأعفى الناس من ذلك.
ثم كتب إلى النجاشي: إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك، ولست بمنته حتى أصرف حج العرب إليها. فأمر الناس فحجوها، فحجه كثير من قبائل العرب سنين، ومكث فيها رجال يتعبدون ويتألهون ونسكوا له.
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي غضب رجل من النّسأة أحد بني فقيم فخرج إلى القليس فقعد فيها، يعني أحدث، ثم خرج فلحق بأرضه.
وقال ابن سعد رحمه الله تعالى: وكان نفيل بن حبيب الخثعمي يورّض له ما يكره، فأمهل حتى إذا كان ليلة من الليالي لم ير أحداً يتحرك فقام فجاء بعذرة فلطخ بها قبلته وجمع جيفاً فألقاها فيها.
وقال مقاتل رحمه الله تعالى: إن فتية من قريش دخلوها فأطلقوا فيها ناراً وكان يوماً فيه هواء شديد فاحترقت وسقطت. انتهى.
فأخبر بذلك أبرهة فقال: من صنع هذا: قيل: صنعه رجال من أهل هذا البيت الذي يحجه العرب، يعني أنها ليست لذلك بأهل.
فغضب غضباً شديداً وحلف ليسيرنّ حتى يهدم الكعبة وينقضها حجراً حجراً، وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك ويسأله أن يبعث إليه بفيله، وكان له فيل يقال له محمود، وكان فيلاً عظيماً لم ير مثله في الأرض عظما وقوة، فبعث به إليه، فأمر الحبشة فتجهّزت في ستين ألفاً ثم سار نحو أرض مكة.
فلما سمعت العرب ذلك أعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقّاً عليهم حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة.
فخرج له رجل من أشراف اليمن يقال له ذو نفر، فدعا قومه ومن أطاعه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله تعالى وما يريد من هدمه وخرابه، فأجابه من أجابه إلى ذلك، ثم عرض له فقاتله، فهزم ذو نفر وأصحابه وأخذ له ذو نفر فأتي به إليه أسيراً، فلما أراد قتله قال له ذو نفر: أيها الملك لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيراً لك من القتل.
فتركه وحبسه عنده في وثاق.
ثم سار أبرهة يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه ومن أطاعه من قبائل العرب فقاتله، فهزمه أبرهة وأخذ له نفيل أسيراً فأتى به،