للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأحطنا بالحاضر، فسمعت رجلا يصرخ: يا خضرة، فتفاءلت وقلت: لأصيبن خيرا ولأجمعنّ إليّ امرأتي، وقد أتيناهم ليلا.

قال فجردّ أبو قتادة سيفه وكبّر، وجردنا سيوفنا وكبّرنا معه فشددنا على الحاضر وقاتلنا رجالا، وإذا أنا برجل طويل قد جرد سيفه وهو يمشي القهقرى، مرة يقبل عليّ بوجهه، ومرّة يدبر عنّي بوجهه، كأنه يريد أن يستطردني فأتبعه، ثم يقول: يا مسلم هلم إلى الجنة فأتبعه، ثم قال:

إن صاحبكم لذو مكيدة أمره هذا الأمر، وهو يقول الجنة الجنة، يتهكم بنا، فعرفت أنه مستقتل فخرجت في أثره وناديت أين صاحبي؟ لا تبعد فقد نهانا أميرنا عن أن نمعن في الطلب فأدركته وملت عليه فقتلته، وأخذت سيفه، وقد جعل زميلي يناديني أين تذهب؟ إني واللَّه إن ذهبت إلى أبي قتادة فسألني عنك أخبرته. قال: فلقيته قبل أبي قتادة. فقلت: أسأل الأمير عني؟ قال:

نعم وقد تغيّظ عليّ وعليك. وأخبرني أنهم قد جمعوا الغنائم وقتلوا من أشرافهم. فجئت أبا قتادة فلا مني فقلت: قتلت رجلا كان من أمره كذا وكذا وأخبرته بقوله كله. ثم سقنا النعم وحملنا النساء وجفون السيوف معلّقة بالأقتاب، فأصبحت وبعيري مقطور بامرأة كأنها ظبي.

فجعلت تكثر الالتفات خلفها وتبكي، فقلت: إلى أي شيء تنظرين؟ قالت: انظر واللَّه إلى رجل لئن كان حيا لاستنقذنا منكم. فوقع في نفسي أنه هو الذي قتلت. فقلت: قد واللَّه قتلته، وهذا واللَّه سيفه معلّق بالقتب. قالت: فألق إليّ غمده. فقلت: هذا غمد سيفه. قالت: فشمه إن كنت صادقا. قال: فشمته فطبّق. قال: فبكت ويئست.

وفي حديث ابن إسحاق: قال عبد اللَّه بن أبي حدرد: فخرجنا ومعنا سلاحنا من النّبل والسيوف حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر [عشيشية] مع غروب الشمس كمنت في ناحية وأمرت صاحبيّ فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم، وقلت لهما: إذا [سمعتماني قد] كبّرت وشددت في ناحية العسكر فكبّرا وشدّا معي.

قال: فو اللَّه إنا لكذلك ننتظر غرّة القوم أو أن نصيب منهم شيئا غشينا الليل فذهبت فحمة العشاء، وكان راعيهم قد أبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه. فقام صاحبهم رفاعة بن قبس فأخذ سيفه فجعله في عنقه ثم قال: واللَّه لأتبعنّ أثر راعينا هذا فلقد أصابه شرّ. فقال بعض من معه. نحن نكفيك فلا تذهب. فقال: واللَّه لا يذهب إلا أنا. فقالوا: ونحن معك. قال: واللَّه لا ينبعني أحد منكم. وخرج حتى مرّ بي، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده فو اللَّه ما تكلم ووثبت إليه فاحتززت رأسه وشددت في ناحية العسكر وكبّرت وشدّ صاحباي وكبّرا.

فو اللَّه ما كان إلا النجاء ممن فيه عندك عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خفّ معهم من أموالهم واستقنا إبلا عظيمة وغنما كثيرة.