شهرا فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمّى، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم، ويكرهون أن يروّعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام.
فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدمها.
وقد كانوا سألوه أن يعفيهم من الصلاة وألّا يكسروا أوثانهم بأيديهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه» .
فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا، أمّر عليهم عثمان بن أبي العاص، وكان من أحدثهم سنّا، وذلك أنه كان من أحرصهم على التّفقّه في الإسلام وتعلّم القرآن. وكان كما رواه عنه الطبراني برجال ثقات- رضي الله عنه- قال: قدمت في وفد ثقيف حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما حللنا بباب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: من يمسك رواحلنا؟ فكل القوم أحبّ الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكره التخلف عنه، وكنت أصغرهم، فقلت إن شئتم أمسكت لكم على أن عليكم عهد الله لتمسكنّ لي إذا خرجتم، قالوا: فذلك لك.
فدخلوا عليه ثم خرجوا، فقالوا: انطلق بنا. قلت: إلى أين؟ قالوا: إلى أهلك فقلت:
«ضربت من أهلي حتى إذا حللت بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم أأرجع ولا أدخل عليه؟ وقد أعطيتموني ما علمتم» . قالوا: فاعجل فإنا قد كفيناك المسألة، لم ندع شيئا إلا سألناه.
فدخلت
فقلت: يا رسول الله ادع الله تعالى أن يفقهني في الدين ويعلّمني. قال: «ماذا قلت؟» فأعدت عليه القول. فقال: «لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أصحابك، اذهب فأنت أمير عليهم وعلى من تقدم عليه من قومك» .
وفي رواية: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته مصحفا فأعطانيه.
ثم قال في زاد المعاد: لما توجه أبو سفيان والمغيرة إلى الطائف لهدم الطاغية أراد المغيرة أن يقدّم أبا سفيان، فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال: ادخل أنت على قومك. وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم.
فلما دخل المغيرة علاها ليضربها بالمعول، وقام قومه دونه، بنو معتّب خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة. فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل أبا سفيان بمجموع مالها من الذهب والفضة والجزع.
وقد كان أبو المليح بن عروة، وقارب بن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف- حين قتل عروة- يريدان فراق ثقيف وألّا يجامعاهم على شيء أبدا، فأسلما،
فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تولّيا من شئتما» . فقالا: نتولّى الله ورسوله.
فلما أسلم أهل الطائف سأل أبو المليح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي عن أبيه عروة دينا