فلما رجع الوفد خرجت ثقيف يتلقّونهم فلما رآهم ساروا العنق وقطروا الإبل قال بعضهم لبعض ما جاء وفدكم بخير، وقصد الوفد اللّات، ونزلوا عندها. فقال ناس من ثقيف إنهم لا لا عهد لهم برؤيتنا، ثم رحل كل رجل منهم إلى أهله فسألوهم: ماذا جئتم به؟ قالوا: أيتنا رجلا فظّا غليظا قد ظهر بالسيف وداخ له العرب قد عرض علينا أمورا شدادا: هدم اللّات.
فقالت ثقيف: والله نقبل هذا أبدا.
فقال الوفد: أصلحوا السلاح وتهيّئوا للقتال. فمكثت ثقيف كذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال، ثم ألقى الله في قلوبهم الرّعب، فقالوا: والله ما لنا به من طاقة فارجعوا فأعطوه ما سأل. فلما رأى الوفد إنهم قد رغبوا واختاروا الإيمان قال الوفد: فإنا قاضيناه وشرطنا ما أردنا ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه فاقبلوا عافية الله.
فقالت ثقيف: فلم كتمتمونا هذا الحديث؟ فقالوا: أردنا أن ننزع من قلوبكم نخوة الشيطان، فأسلموا مكانهم ومكثوا أياما. ثم قدم رسل النبي صلى الله عليه وسلم وعمدوا إلى اللّات ليهدموها، وخرجت ثقيف كلها حتى العواتق من الحجال لا ترى أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة. فقام المغيرة فأخذ الكرزين فضرب ثم سقط فارتجّ أهل الطائف وقالوا: أبعد الله المغيرة قتلته الرّبّة وفرحوا وقالوا: والله لا يستطاع هدمها.
فوثب المغيرة وقال:«قبحكم الله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع حجارة ومدر فاقبلوا عافية الله واعبدوه» . ثم ضرب الباب فكسره ثم علا سورها وعلا الرجال معه يهدمونها حجرا حجرا حتى سوّوها. وقال صاحب المفتاح: ليغضبنّ الأساس فليخسفنّ بهم. فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد: دعني أحفر أساسها، فحفره حتى أخرجوا ترابها. وأقبل الوفد حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليّها وكسوتها، فقسمه من يومه، وحمد الله تعالى على نصرة نبيّه وإعزاز دينه.
وقال عثمان بن أبي العاص، كما رواه عنه أبو داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم. وقال عثمان: إنما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأني كنت قرأت سورة البقرة،
فقلت: يا رسول الله إن القرآن ينفلت مني، فوضع يده على صدري وقال:«يا شيطان اخرج من صدر عثمان» .
فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه.
وفي صحيح مسلم: قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، فقال:«ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا» .