للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا عمر، كلّ علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنتين لم أخبرهما منه، يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فقد خبرتهما، فأشهدك أني رضيت بالله تعالى ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلّم نبيا [ (١) ] .

وروى الإمام أحمد، وأبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم جزورا من أعرابي بوسق من تمر الذّخيرة، فجاء منزله، فالتمس التمر، فلم يجده، فخرج إلى الأعرابي فقال: «عبد الله، إنا قد ابتعنا منك جزورك هذا بوسق، من تمر الذّخيرة، ونحن نرى أن عندنا، فلم نجده» فقال الأعرابي: وا غدراه وا غدراه، فوكزه الناس وقالوا:

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم تقول هذا؟ فقال: «دعوه، فإن لصاحب الحقّ مقالا» فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم مرتين أو ثلاثا، فلما رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: «اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية فقل لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول لك إن كان عندك وسق من تمر الذّخيرة فسلفينا حتى نؤديه إليك إن شاء الله تعالى» فذهب إليها الرجل ثم رجع قال: قالت: نعم هو عندنا يا رسول الله، فابعث من يقبضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم للرجل: «اذهب فأوفه الذي له» فذهب، فأوفاه الذي له، قال فمر الأعرابي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في أصحابه، فقال: جزاك الله خيرا، فقد أوفيت وأطيبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أولئك خيار الناس الموفون المطيّبون [ (٢) ] » .

وروى الشيخان عن أبي هريرة أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ له، فهمّ به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، ثم قال: أعطوه شيئا مثل سنّه» ، فقالوا: يا رسول الله، لا نجد إلا أفضل من سنه، قال: «أعطوها، وخيركم أحسنكم قضاء [ (٣) ] » .

وروى البخاري رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها فجيء بها، فقيل: ألا تقتلها فقال: «لا» [ (٤) ] .

وروى الشيخان عن عائشة وابن أبي حاتم عن عكرمة وروى أبو الحسن بن الضحاك عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أبصرت عيناي، وسمعت أذناي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان بالجعرّانة [ (٥) ] ، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفضّها على الناس، فيعطيهم، فقال له


[ (١) ] أخرجه الحاكم ٢/ ٣٢٣٢/ ٦٠٥ وأبو نعيم في الدلائل ١/ ٢٣ وابن كثير في البداية ٢/ ٣١٠.
[ (٢) ] انظر المجمع ٤/ ١٤٠.
[ (٣) ] أخرجه البخاري ٤/ ٤٨٣ (٢٣٠٦) ومسلم ٣/ ١٢٢٥ (١٢٠/ ١٦٠١) .
[ (٤) ] تقدم.
[ (٥) ] الجعرّانة لا خلاف في كسر أوّله. وأصحاب الحديث يكسرون عينه ويشدّدون راءه، وأهل الأدب يخطئونهم ويسكّنون العين ويخفّفون الراء. والصحيح أنهما لغتان جيدتان.