أنت وأمي ما أحلمك!» ، ولا تزيده كثرة الأذى إليه إلا حلما، بشهادة ما تقدم ومما حصل له يوم أحد.
الثاني: الصبر على الأذى جهاد النفس، وقد جبل الله تعالى النفس على التألم بما يفعل بها، ولهذا شقّ عليه صلى الله عليه وسلّم نسبة بعض المنافقين له الجور في القسمة، لكنه حلم وصبر لما علم من جبريل ثواب الصابرين، وأن الله تعالى يأجرهم بغير حساب، وصبره صلى الله عليه وسلّم على الأذى إنما هو فيما كان من حق نفسه، وأما إذا كان لله تعالى فإنما يمتثل فيه أمر الله تعالى من الشدة، كما قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التحريم ٩] وقد وقع أنه صلى الله عليه وسلّم غضب لأسباب مختلفة، مرجعها إلى أن ذلك في أمر الله تعالى، وأظهر الغضب فيها ليكون أوكد في الزّجر، فصبره وعفوه إنما كان يتعلق بنفسه الشريفة صلّى الله عليه وسلم،
وقد قال صلى الله عليه وسلم لما شجّ المشركون وجهه: «اللهم اهد قومي»
وقال حين شغلوه عن الصلاة: «ملأ الله قلوبهم نارا» ،
فتحمّل الشّجّة الحاصلة في وجه جسده الشريف، وما تحمّل الشّجّة الحاصلة في وجه دينه المنيف، فإن وجه الدين هو الصلاة، فرجح حق خالقه على حقه صلى الله عليه وسلّم.
الثالث: قال القاضي في
قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» :
انظر ما في هذا القول من إجماع الفضل، ودرجات الإحسان، وحسن الخلق، وكرم النفس، وغاية الصبر والحلم، إذ لم يقتصر صلى الله عليه وسلّم على السكوت عنهم، حتى عفا، ثم أشفق عليهم، ورحمهم، ودعا، وشفع لهم، فقال: «اللهم اهد واغفر» ، ثم أظهر الشفقة والرحمة بقوله: «لقومي» ، ثم اعتذر عنهم لجهلهم، فقال: «إنهم لا يعلمون» .
الرابع: في بيان غريب ما سبق:
العفو: المساهلة، وترك المؤاخذة، والبحث عن مذامّ الأخلاق: أي أخذ ما سهل من أخلاق الناس، وأفعالهم، من غير كلفة، ولا طلب ما يشقّ عليهم حذرا من أن ينفروا من حوله.
السّمرة: بسين مهملة مفتوحة، فميم مضمومة، فراء، فتاء تأنيث ضرب شجر الطّلح.
الغرّة: بغين معجمة مكسورة، فراء مشددة: الخدعة.
الصّرف: بصاد مهملة مكسورة، فراء ساكنة، ففاء: شجر أحمر يدبغ به الأديم.
زيد بن سعنة: بسين مهملة، فعين، فنون مفتوحتين، كما قيده به الحافظ عبد الغني، وجرى عليه الدّارقطني والأمير وبالمثناة التحتية ثبت في نسخ الشّفا، وأن مصنفه صحح عليه، وهو الذي ذكره ابن إسحاق، قال الذهبي في التجريد: والأول أصح.
تمر الذّخيرة: بذال، وخاء معجمتين، قال في النهاية: هو نوع من التمر معروف. الرميّة تقدم الكلام عليها والله أعلم.