وقد روينا بيان ذلك في حديث مرسل لابن الحنفية عند ابن سعد ولفظه: إذا سئل فأراد أن يفعل قال: نعم، وإن لم يرد أن يفعل سكت،. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام لم يقل:
لا، منعا للإعطاء، ولا يلزم من ذلك أن يقولها اعتذارا كما في قوله تعالى:«لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [التوبة ٩٢] ولا يخفى الفرق بين قوله: (لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ وهو نظير ما في
حديث أبي موسى الأشعري لما سأله الأشعريون الحملان فقال صلى الله عليه وسلم: «ما عندي ما أحملكم»
لكن يشكل عليه أنه صلى الله عليه وسلم حلف لا يحملهم
فقال:«والله لا أحملكم» ،
فيمكن أن يخص من عموم حديث جابر ما إذا سئل ما ليس عنده، والسائل يتحقق أنه ليس عنده ذاك، حيث كان المقام لا يقتضي الاقتصار على السكوت من الحالة الواقعة، أو من حال السائل كأن لم يعرف العادة، فلو اقتصر على السكوت مع حاجة السائل تمادى في السؤال ويكون القسم على ذلك تأكيدا لقطع طمع السائل، والسر في
قوله:«لا أجد ما أحملكم»
وقوله:«والله لا أحملكم»
أن الأول لبيان أن الذي سأله لم يكن موجوداً عنده، والثاني أنه يتكلف الإجابة إلى ما سئل بالقرض مثلا، أو بالاستيهاب، إذ لا اضطرار حينئذ.
الثاني:
قوله صلى الله عليه وسلم: فخصها فلانا
أفاد المحب الطبري في كتاب الأحكام له أن الرجل السائل عبد الرحمن بن عوف، وعزاه للطّبراني، قال الحافظ: ولم أجد ذلك في معجمه الكبير، لا في مسند سهل، ولا في عبد الرحمن، نعم رواه الطبراني، وقال في آخره: قال قتيبة هو سعد بن أبي وقاص، وقد يقال: تعددت القصة، وفيه بعد.
الثالث:
قوله صلى الله عليه وسلم: الأجود
أفعل تفضيل من جاد يجود، جوداً فهو جواد، بتخفيف الواو، وقومٌ جودٌ، وأجاود، وأجواد. قال النحاس: الجواد: الذي يتفضل على من يستحقّ، ويعطي من لا يسأل، ويعطي الكثير، ولا يخاف الفقر، من قولهم مطر جواد إذا كان كثيراً، وفرس جواد يعدو كثيراً، قبل أن يطلب منه، ثم قيل: هو مرادفٌ للسّخاء، والأصحّ أن السخاء أدنى منه، ولذا يوصف الله تعالى به، والسخي اللّين عند الحاجات، من أرضٌ سخاوية: لينة التراب، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى: قال القوم من أعطى البعض فهو سخيّ، ومن أعطى الأدنى، وأبقى لنفسه شيئاً، فهو جواد، ومن قاسى الضر، وآثر غيره بالبلغة فهو مؤثر، وقال السّهروردي في عوارفه: السخاء صفة غريزية، وفي مقابله الشّح. والشح من لوازم صفة النفس قال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن ١٦] فحكم بالفلاح لمن وقي الشّحّ، وحكم بالفلاح أيضا لمن أنفق وبذل فقال: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة ٥] والفلاح اسم لسعادة الدارين، وليس الشح من الآدمي بعجيب لأنه جبليّ فيه، وإنما العجب وجود السخاء في الغريزة، والسخاء أتم وأكمل من الجود. وفي مقابله البخل، وفي مقابلة السخاء الشح، والجود