للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّ أي قدر من الموهبة الإلهية التي توصف بها العبقرية يختلف اختلافا واضحا عن النبوة.

وبالرغم من الاختلاف في فهم العبقرية وبين كتابات العشرات من الباحثين الغربيين فإنّ أحدا لا في الغرب ولا في الشرق أدخل النبوة والأنبياء في هذه الدائرة. ولكن يبدو أنّ الأستاذ العقاد أراد أن يتفوق على صاحبيه (هيكل وطه) وقد سبقاه بعشر سنوات في كتابة السيرة باتخاذ هذا المصطلح.

يقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي: يجب أن يقرأ للعقاد باحتياط وهو يكتب عن الإسلام فالعقاد ابن العصر الحديث أخذ ثقافته مما قرأ لأدبائه وعلمائه وهو شيء كثير وليس كل ما كتبه المستشرق يقبله المسلم ولا كل نظريات الغرب متفق وما قرره القرآن. ولكن العقاد اعتقد من هذه النظريات ما اعتقد، فهو ينظر إلى القرآن من خلال ما اعتقد منها ويبدو أن من بين ما اعتقده العقاد نظرية (فريزر) في نشوء الأديان فهي عنده ليست سماوية ولكنها أرضية نشأت بالتطور والترقي إلى الأحسن، ومن هنا تفضيل العقاد للإسلام على غيره من الأديان فهو آخرها وإذن فهو خيرها ويقول: إن لم يكن هذا هو تفسير إطلاق أسميه الغربيين على كتابيه (عبقرية محمد، والفلسفة القرآنية) فهذه التسمية خطأ منه ينبغي أن يتنبه إليه قارئ الكتابين من المسلمين لينجو ما أمكن مما توحي به التسميات من أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبقري من العباقرة لا نبي ولا رسول بالمعنى الديني المعروف في الأديان المنزلة. ويؤكد هذا الإيحاء أن جاء الكتاب واحدا من سلسلة كتب العبقريات الإسلامية ولن يكون أولها. فالناشئ الذي يقرأ بعد عبقرية محمد عبقرية أبي بكر وعبقرية عمر مثلا لا يمكن أن يسلم من إيحاء خفي إلى نفسه أنّ محمدا وأبا بكر وعمر من قبيل واحد، عبقري من عباقرة وإن يكن أكبرهم جميعا. كالذي سمي النبي صلى الله عليه وسلم بطل الأبطال فأوهم أنه واحد من صنف ممتاز من الناس متجدد على العصور بدلا من صنف اختتم به صلى الله عليه وسلم صنف الأنبياء والمرسلين من عند الله فالنبي والرسول يأتيه الملك من عند الله بما شاء الله من وحي ومن كتاب. ولا كذلك العبقري ولا البطل. فالنبوة والرسالة فوق البطولة والعبقرية بكثير. وكم في الصحابة رضوان الله عليهم من بطل ومن عبقري وكلهم يدين له صلى الله عليه وسلم بأنه رسول الله إلى الناس كافة ذلك العصر وما بعده وأنه خاتم النبيين.

ويقول الأستاذ غازي التوبة: كتب العقاد العبقريات دفاعا عن العظمة الإنسانية في وجه المتطاولين والحاقدين والمشوهين. هذه العظمة الإنسانية التي تحتاج إلى رد الاعتبار في عصره ودفاع العقاد عن العظمة الإنسانية هي حلقة من دفاعه عن الفرد وإيمانه به. ولكن ما هي

<<  <  ج: ص:  >  >>