للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصة أخرى.

روى أبو نعيم والخرائطي [ (١) ] وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس والبيهقي، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عكرمة عنه، وابن سعد، عن أبي الفيّاض الخثعمي وابن سعد، عن أبي يزيد المدينيّ، أن عبد المطلب لمّا خرج بابنه ليزوجه مر به على امرأة كاهنة من أهل تبالة متهوّدة قد قرأت الكتب يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت: يا فتى هل لك أن تقع عليّ الآن وأعطيك مائة من الإبل؟ فقال عبد الله:

أما الحرام فالممات دونه ... والحلّ لا حلّ فأستبينه [ (٢) ]

فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه

ثم مضى مع أبيه فزوجه آمنة بنت وهب فأقام عندها ثلاثاً، ثم مرّ على تلك المرأة فلم تقل له شيئاً، فقال لها: مالك لا تعرضين علي ما عرضت علي بالأمس؟ فقالت: من أنت؟ قال:

أنا فلان. قالت: ما أنت هو، ولئن كنت ذاك لقد رأيت بين عينيك نوراً ما أراه الآن، ما صنعت بعدي؟ فأخبرها. فقالت: والله ما أنا بصاحبة ريبة ولكن رأيت في وجهك نوراً فأردت أن يكون في وأبى الله إلا أن يجعله حيث أراده اذهب فأخبرها أنها حملت خير أهل الأرض ثم أنشأت تقول:

إنّي رأيت مخيلةً لمعت ... فتلألأت بحناتم القطر

فلمائها نورٌ يضيء له ... ما حوله كإضاءة البدر

ورجوتها فخراً أبوء به ... ما كلّ قادحٍ زنده يوري

لله ما زهريّةٌ سلبت ... ثوبيك ما استلبت وما تدري

وقالت أيضاً:

بني هاشم قد غادرت من أخيكم ... أمينة إذ للباه يعتلجان

كما غادر المصباح بعد خبوّه ... فتائل قد ميثت له بدهان

وما كلّ ما يحوي الفتى من تلاده ... بحزم ولا ما فاته بتواني

فأجمل إذا طالبت أمراً فإنّه ... سيكفيكه جدّان يصطرعان


[ (١) ] محمد بن جعفر بن محمد بن سهل، أبو بكر الخرائطي السامري: فاضل، من حفاظ الحديث. من أهل السامرة بفلسطين، ووفاته في مدينة يافا. من كتبه «مكارم الأخلاق- ط» و «مساوئ الأخلاق- خ» و «اعتلال القلوب- خ» في أخبار العشاق، و «هواتف الجان وعجائب ما يحكى عن الكهان- خ» و «فضيلة الشكر- خ. توفي سنة ٣٢٧ هـ. انظر الأعلام ٦/ ٧٠، وشذرات الذهب ٢/ ٣٠٩.
[ (٢) ] البيتان في الروض الأنف ١/ ١٨٠، والبداية والنهاية ٢/ ٢٥٠.