الثاني: قال العلماء- رحمهم الله تعالى- فرض الله تعالى الحج على من استطاع إليه سبيلا، وقد كان السبيل إليه ممنوعا بقوة المشركين.
وأيضا كانوا ينقلون الحج عن وقته، فقد ذكر أنهم ينقلونه عن حساب الشهور الشمسية، ويؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما، فلم توجد الاستطاعة إلا عند فتح مكة سنة ثمان، فمنع- صلى الله عليه وسلّم- من التعجيل به، أن المشركين لم يكونوا منعوا منه، لعهود كانت لهم إلى آجال مضروبة، وكانوا يشركون في تلبيتهم، ويطوفون عراة، وقد كان- صلى الله عليه وسلم- أراد أن يحج مقفله من تبوك، وذلك بأثر الفتح بيسير، ثم ذكر بقايا المشركين يحجون، ويطوفون عراة فلم يرد النبي- صلى الله عليه وسلّم- سماع إشراكهم في تلبيتهم ولا رؤيتهم عراة، فأخّر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحج حتى نبذ إلى كل ذي عهد عهده، وذلك في السنة التاسعة فحج بالمسلمين كما قال الماوردي في الحاوي في «باب السير» سير الفتح- عتّاب بن أسيد بوزن أمير الذي أمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على مكة- رضي الله تعالى عنه- فلما كان وقت الحج حج المسلمون والمشركون، وكان المسلمون بمعزل يدفع بهم عتّاب بن أسيد، ويقف بهم، لأنه أمير البلد.
وفي السنة الثانية وهي سنة تسع حج بهم أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- وأرسل معه- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب، فنادى في الناس بنبذ العهد كما في سورة براءة، وأنه لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فلما زالت رسوم الشرك، وسير الجاهلية حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع سنة عشر،
وقال فيها:«إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض» .
فائدة: قال في «زاد المعاد» : دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مكة بعد الهجرة خمس مرات، سوى المرة الأولى، فإنه وصل إلى الحديبية وصد عن الدخول إليها أحرم في أربع منهن من الميقات لا قبله فأحرم عام الحديبية من ذي الحليفة، ثم دخلها المرة الثانية فقضى عمرته، وأقام بها ثلاثا، ثم خرج، ثم دخلها المرة الثالثة، عام الفتح في رمضان بغير إحرام، ثم خرج منها إلى حنين، ثم دخلها المرّة الرابعة بعمرة من الجعرانة، ودخلها في هذه العمرة ليلا وخرج ليلا فلم يخرج من مكة إلى الجعرانة ليعتمر، كما يفعل أهل مكة اليوم، المرة الخامسة في حجة الوداع.