وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ [التوبة/ ٣٧] ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض» ، ثم قرأ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة/ ٣٦] ثلاث متواليات: ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي يدعى شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان، والشهر تسعة وعشرون وثلاثون، ألا هل بلغت؟
قال الناس: نعم فقال: اللهم اشهد» .
ثم قال: «أيها الناس. إن للنساء عليكم حقا، وإن لكم عليهن حقا، فعليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا، ولا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه إلا بإذنكم، فإن فعلن فإن الله تعالى قد أذن لكم أن تهجروهن بالمضاجع، وأن تضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم، فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرا، ألا هل بلّغت؟ قال الناس: نعم، قال: اللهم اشهد.
ثم قال: أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه، فقد رضي به، إن المسلم أخو المسلم، إنما المسلمون إخوة، ولا يحل لامرئ مسلم دم أخيه ولا ماله إلا بطيب نفس منه، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، لا تظلموا أنفسكم، لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا كتاب الله تعالى، ألا هل بلّغت؟ قال الناس: نعم قال: اللهم اشهد.
ثم انصرف إلى منزله وصلى الظهر والعصر يوم النّفر بالأبطح، قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها- إنما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمحصب، لأنه كان أسمح لخروجه.
واستأذنه العباس عمه في المبيت بمكة ليالي منّى من أجل سقايته، فأذن له، واستأذنه رعاء الإبل في البيتوتة خارج منى، فأرخص لهم أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما، قال مالك: ظننت أنه قال: في أول يوم منهما، ثم يرمون يوم النفر قال ابن عيينة في هذا الحديث. رخص للرعاء أن يرموا يوما، ويتركوا يوما.
ولم يتعجل- صلى الله عليه وسلّم- في يومين، بل تأخر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة، وأفاض- صلى الله عليه وسلّم- يوم الثلاثاء بعد الظهر، إلى المحصّب وهو الأبطح، وهو خيف بني كنانة فوجد، أبا رافع قد ضرب فيه قباء هنالك، وكان على ثقله توفيقا من الله تعالى دون أن يأمره به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ورقد رقدة ثم نهض إلى مكة