رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة، فقالت ألا أبشري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرّم أمته، فقد أراحنا الله منها، فقالت عائشة أما والله، إنه كان يريبني أنه كان يقبل من أجلها، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم/ ١] ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأن تظاهرا عليه» فهي عائشة وحفصة، وزعموا أنهما كانتا لا تكتم إحداهما للأخرى شيئا، وكان لي أخ من الأنصار إذا حضرت، وغاب في بعض ضيعته، حدثته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا غبت في بعض ضيعتي، حدّثني فأتاني يوما وقد كنّا نتخوّف جبلة بن الأيهم الغساني.
فقال: ما دريت ما كان؟ فقلت: وما ذاك؟ لعله جبلة بن الأيهم الغساني، تذكر قال: لا ولكنه أشد من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح، فلم يجلس كما كان يجلس، ولم يدخل على أزواجه كما كان يصنع، وقد اعتزل في مسربته، وقد ترك الناس يموجون ولا يدرون ما شأنه، فأتيت والناس في المسجد يموجون ولا يدرون فقال: يا أيها الناس كما أنتم،
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسربته قد جعلت له عجلة، فرقى عليها، فقال لغلام له أسود وكان يحجبه استأذن لعمر بن الخطاب، فاستأذن لي فدخلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسربته فيها حصير وأهب معلّقة وقد أفضى بجنبه إلى الحصير، فأثّر الحصير في جنبه وتحت رأسه وسادة من أدم محشوّة ليفا، فلمّا رأيته بكيت، قال: ما يبكيك؟ قلت يا رسول الله، فارس والروم أحدهم يضطجع في الدّيباج والحرير فقال: إنهم عجّلت لهم طيباتهم، والآخرة لنا، ثم قلت يا رسول الله، ما شأنك؟ فإني قد تركت الناس يموج بعضهم في بعض، فعن خبر أتاك فقال:
اعتزلهن؟ فقال: لا، ولكن كان بيني وبين أزواجي شيء فأحببت ألا أدخل عليهنّ شهرا،
ثم خرجت على الناس، فقلت يا أيها الناس، ارجعوا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بينه وبين أزواجه شيء فأحب أن يعتزل، فدخلت على حفصة، فقلت: يا بنتي، أتكلّمين رسول الله وتغيظينه وتغارين عليه؟ فقالت: لا أكلّمه بعد بشيء يكرهه، ثم دخلت على أم سلمة وكانت خالتي، فقلت لها كما قلت لحفصة، فقالت: عجبا لك يا عمر بن الخطاب، كلّ شيء تكلّمت فيه، حتى تريد أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه، وما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجكم يغرن عليكم، فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [الأحزاب/ ٢٨] حتى فرغ منها [ (١) ] .
[ (١) ] ذكره الهيثمي في المجمع ٥/ ١٣ من طريق عبد الله بن صالح وعزاه للطبراني في الأوسط وهو في الصحيحين من حديث عائشة ٨/ ٦٥٦ (٤٩١٢) (٦٦٩١) ومسلم ٢/ ١١٠٠ (٢٠/ ١٤٧٤) .