وقال في موضع آخر: هذا بدعة، ولكنها بدعة لا بأس بها، ولكن لا يجوز له أن يسأل الناس بل إن كان يعلم أو يغلب على ظنه أن نفس المسؤول تطيب بما يعطيه فالسؤال لذلك مباح أرجو أن لا ينتهي إلى الكراهة.
وقال الحافظ- رحمه الله تعالى-: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدّها، فمن تحرّى في عمله المحاسن وتجنّب ضدّها كان بدعة حسنة ومن لا فلا. قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما
ثبت في الصحيحين من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا يومٌ أغرق الله فيه فرعون وأنجى فيه موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى. فقال:«أنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه» .
فيستفاد من فعل ذلك شكرا لله تعالى على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادات والسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأيّ نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي الكريم نبيّ الرحمة في ذلك اليوم؟
وعلى هذا فينبغي أن يتحرّى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسّع قوم حتى نقلوه إلى أي يوم من السّنة. وفيه ما فيه.
فهذا ما يتعلق بأصل عمل المولد.
وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزّهدية المحرّكة للقلوب إلى فعل الخيرات والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحاً بحيث يتعيّن السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به، ومهما كان حراما أو مكروها فيمنع وكذا ما كان خلافاً للأولى. انتهى.
وقال شيخ القراء الحافظ أبو الخير ابن الجزري [ (١) ] رحمه الله تعالى: قد رئي أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلا أنه يخفّف عني كل ليلة اثنين وأمصّ
[ (١) ] محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف، أبو الخير، شمس الدين، العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي، الشهير بابن الجزري: شيخ الإقراء في زمانه. من حفاظ الحديث. ولد ونشأ في دمشق، وابتنى فيها مدرسة سماها «دار القرآن» ورحل إلى مصر مرارا، ودخل بلاد الروم، وسافر مع تيمورلنك إلى ما وراء النهر. ثم رحل إلى شيراز فولي قضاءها. ومات فيها. نسبته إلى «جزيرة ابن عمر» . من كتبه «النشر في القراآت العشر» ، و «غاية النهاية في طبقات القراء» اختصره من كتاب آخر له اسمه «نهاية الدرايات في أسماء رجال القراآت» و «التمهيد في علم التجويد» توفي سنة ٨٨٣ هـ. انظر الأعلام ٧/ ٤٥.