للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«أومن» بضم الهمزة ثم واو وقوله «عليه» هنا بمعنى اللّام أو الباء الموحدة والنكتة في التعبير بها تضمنها معنى الغلبة، أي يؤمن بذلك مغلوبا عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه لكنه قد يجحد فيعاند، كما قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً [النمل/ ١٤] وقال الطّيبيّ: المجرور في «عليه» حال، أي مقلوبا عليه في التحدي، وموقع المثل موقعه من قوله فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة/ ٢٣] أي من صفته من البيان وعلوّ الطبقة في البلاغة، وقوله: «وإنّما كان الّذي أوتيته وحيا» إلخ معناه معظم الذي أوتيته وإلّا فقد أوتي من المعجزات مالا ينحصر والمراد به القرآن وقد تقدم أنه المعجزة الباقية على وجه الدوام إلى يوم القيامة لبلوغه أعلى طبقات البلاغة وأقصى غايات الإعجاز، فلا يتأتى لأحد أن يأتي بأقصر سورة منه لجزالة تركيبه، وفخامة ترتيبه الخارج عن طوق البشر، وليس المراد حصر معجزاته فيه ولا أنّه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدّمه، المراد به المعجزة العظمى التي اختصّه بها دون غيره، لأنّ كل نبي أعطي معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيره تحدّى بها قومه، ولذلك رتب على قوله: «وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» يريد لاضطرار الناس إلى الإيمان به إلى يوم القيامة وذكر ذلك على وجه الرجاء لعدم العلم بما في الأقدار السابقة وقيل المعنى أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعمارهم، فلم يشاهدها إلّا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرق العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات، فلا يمرّ عصر من الأعصار إلّا ويظهر فيه شيء مما أخبر أنه سيكون يدل على صحة دعواه، ولهذا قال «وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» .

قال الحافظ: هذا أقوى المحتملات وتكميله في الذي بعده.

وقيل: المعنى أنّ المعجزات الماضية كانت حسّيّة تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة مرّة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر، لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده، والذي يشاهد بعين العقل يشاهده كل من جاء بعد الأوّل مستمرا، قال الحافظ- رحمه الله تعالى-: ويمكن نظم هذه الأقوال كلها في كلام واحد، فإنّ محصلها لا ينافي بعضه بعضا، رتب صلى الله عليه وسلم قوله: «فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» على ما تقدم من معجزة القرآن المستمرة لكثرة فائدته وعموم نفعه، لاشتماله على الدّعوة والحجة والإخبار بما سيكون فعمّ نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد، فحسن ترتيب الرجوى المذكورة على ذلك وهذه الرجوى قد تحقّقت فيه فإنّه أكثر الأنبياء تابعا ولا خلاف بين الفقهاء أنّ كتاب الله- عز وجل- معجز لم يقدر أحد على معارضته مع تحديهم بذلك قال تعالى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: ٦] فلولا