قال السيد نور الدين: والأقرب أن هذا كان في آخر الأمر بعد نقل الحمى بالكلية لكن قال الحافظ: لما رحل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان في قلة من أصحابه فاختار الحمى، لقلة الموت بها على الطاعون، لما فيها من الأجر الجزيل وقضيتها (إضعاف الأجساد) فلما أمر بالجهاد دعا بنقل الحمى إلى الجحفة، ثم كانوا من حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون ربما حصلت له بالقتل في سبيل الله، ومن فاته ذلك حصلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار، ثم استمر ذلك بالمدينة، يعني بعد كثرة المسلمين تمييزا لها عن غيرها قال السيد: وهو يقتضي عود شيء من الحمى إليها بآخرة الأمر، والمشاهد في زماننا عدم خلوها عنها أصلا لكنه ليس كما وصف أولا بخلاف الطاعون، فإنها محفوظة بالكلية، فالأقرب أنه صلى الله عليه وسلم لما سأل ربه تعالى لأمته أن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فمنعه ذلك، فقال في دعائه:
فحمى إذا أو طاعونا أراد بالدعاء بالحمى للموضع الذي لا يدخله الطاعون، فيكون ما بالمدينة اليوم ليس هو حمى الوباء بل حمى رحمة بدعائه صلى الله عليه وسلم.
الثاني: إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الحمى إليها، لأنها كانت دار شرك، ولم تزل من يومئذ أكثر بلاد الله حمى.
قال بعضهم: وإنه ليتقي شرب الماء من عينها التي يقال عين حم، فقل من شرب منها إلا حم.
وروى البيهقي عن هشام بن عروة قال: كان وباء بالمدينة معروفا في الجاهلية، وكان إذا كان بالوادي وباء فأشرف عليه الإنسان قيل له: انهق نهيق الحمار، فإذا فعل لم يضره وباء ذلك الوادي.
وروى ابن شيبة عن عامر بن جابر، قال: كان لا يدخل المدينة أحد من طريق واحد من ثنية الوداع فإن لم يعشر بها أي ينهق كالحمار عشرة أصوات في طلق واحد مات قبل أن يخرج منها، فإذا وقف على الثنية قبل أن يدخل ودع فسميت ثنية الوداع حتى قدم عروة بن الورد العبسي فقيل له: عشر بها فلم يعشر وأنشأ يقول:
ثم دخل فقال: يا معشر يهود، ما لكم وللتعشير؟ قالوا: إنه لا يدخلها أحد من غير أهلها، فلم يعشر بها إلا مات، أو لا يدخلها أحد من غير ثنية الوداع إلا قتله الهزال، فلما ترك عروة التعشير تركه الناس ودخلوا من كل ناحية.
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
السكينة: الطمأنينة والوقار.
ثائرة الرأس هاج وانتشر تقول: ثار الدخان والغبار وثار الدم بفلان وثارت به الحصبة.