للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقد سعدت حليمة حيث حازت ... رضاعته ونالت كلّ فخر

فدرّ عليه منها الثّدي حالاً ... ولم يك قبل ذا يشفي بدّرّ

وأعلم أنّه لأخيه حقٌّ ... فغادر ثديها الثّاني بوفر

وشارفها جرت لبناً فأروت ... وكانت لا تبضّ [ (١) ] لهم بقطر

وأسرعت الأتان [ (٢) ] به نهوضاً ... فأعجب كل من في الرّكب يسري

وكانت من وراء القوم ضعفاً ... فصارت عن أمام القوم تجري

فقالوا إنّ لابنك ذا لشأناً ... أخذت مباركاً فثقي بيسر

وكان يشبّ في شهرٍ كعامٍ ... إذا اعتبروا وفي يومٍ كشهر

ويصبح دون صبيتهم دهيناً ... كحيلاً طيّباً من غير عطر

وكانوا في أشدّ الأرض جدباً ... فعمّ القطر منها كل قطر

وخلف بيوتهم جبريل وافى ... فشقّ الصّدر منه بغير ضرّ

وألقى مغمز الشّيطان منه ... فطهّره فنال أتمّ طهر

حشا منه الحشا علماً وحلماً ... وإيماناً على ورعٍ وصبر

وأكرمه الإله بشقّ صدر ... ووضع الوزر عنه ورفع ذكر

فكان رضاً بلا سخطٍ وبذلاً ... بلا بخلٍ وخيراً دون شرّ

له خلق الملائك وهو خلقٌ ... من البشر الخصيص بكلّ بشر

إله العرش أرسله بشيراً ... نذيراً داعياً لهدىً ويسر

فأبدلنا بهديٍ بعد جهلٍ ... وعوّضنا بيسرٍ بعد عسر

عليه صلاة ربّ العرش تندى ... كما تندى الرّياض بكلّ فجر

يواصل عرفها [ (٣) ] آلاً وصحباً ... كأنّ ثناهم نفحات زهر

والشرف البوصيري حيث قال:

وبدت في رضاعه معجزاتٌ ... ليس فيها عن العيون خفاء

إذ أبته ليتمه مرضعاتٌ ... قلن ما في اليتيم عنّا غناء

فأتته من آل سعدٍ فتاةٌ ... قد أبتها لفقرها الرّضعاء

أرضعته لبانها فسقتها ... وبنيها ألبانهنّ الشّياء


[ (١) ] انظر الوسيط ١/ ٦٠.
[ (٢) ] الأتان: الأنثى من الحمير والجمع (آتن، أتن) المصباح المنير ص ٣.
[ (٣) ] العرف: الريح طيبة كانت أو خبيثة يقال: ما أطيب عرفه، وفي المثل: لا يعجر مسك السوء عن عرف السوء، اللسان ٤/ ٢٩٠٠.