[ (٢) ] وذهب آخرون إلى وقوعه فيه، وأجابوا عن قوله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف ٢] بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيّا، والقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية، وعن قوله تعالى: ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [فصلت ٤٤] بأن المعنى من السياق: «أكلام أعجميّ ومخاطب عربيّ!» . واستدلوا باتفاق النحاة على أن منع صرف نحو «إبراهيم» للعلميّة والعجمة، وردّ هذا الاستدلال بأن الأعلام ليست محل خلاف، فالكلام في غيرها موجّه بأنّه إذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس، وأقوى ما رأيته للوقوع- وهو اختياري- ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعيّ الجليل قال: في القرآن من كل لسان. وروى مثله عن سعيد بن جبير ووهب بن منبّه. فهذه إشارة إلى أن حكمة وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علوم الأولين والآخرين، ونبأ كل شيء، فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن ليتم إحاطته بكل شيء، فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالا للعرب. ثم رأيت ابن النقيب صرح بذلك، فقال: من خصائص القرآن على سائر كتب الله تعالى المنزلة أنها نزلت بلغة القوم الذين أنزلت عليهم، ولم ينزل فيها شيء بلغة غيرهم، والقرآن احتوى على جميع لغات العرب، وأنزل فيه بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شيء كثير. انتهى. وأيضا النبي صلّى الله عليه وسلم مرسل إلى كل أمة، وقد قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم ٤] ، فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم، وإن كان أصله بلغة قومه هو. وقد رأيت الخويي ذكر لوقوع المعرب في القرآن فائدة أخرى، فقال: إن قيل أن «إستبرق» ليس بعربيّ وغير العربي من الألفاظ دون العربيّ في الفصاحة والبلاغة، فنقول: لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن يتركوا هذه اللفظة ويأتوا بلفظ يقوم مقامها في الفصاحة لعجزوا عن ذلك، وذلك لأن الله تعالى إذ حثّ عباده على الطاعة، فإن لم يرغبهم بالوعد