الصقيلة ما كان في الناظر إليها من حس أو غيره تصور فيها وهي في ذاتها على أحسن حال لا نقص فيها ولا شين وكذلك يقال في كلامه صلى الله عليه وسلم في النوم إنه يعرض على سنة فما وافقها فهو حق، وما خالفها فالخلل في سمع الرائي فرؤيا الذات الكريمة حق والخلل إنما هو في سمع الرائي، أو بصره.
قال: وهذا خير ما سمعته في ذلك.
قال الحافظ: ويظهر لي في التوفيق بين جميع ما ذكروه أن من رآه على صفة أو أكثر مما يختص به فقد رآه ولو كانت سائر الصفات مخالفة وعلى ذلك فتفاوت رؤيا من رآه فمن رآه على هيئته الكاملة فرؤياه الحق الذي لا تحتاج إلى تأويل وعليها يتنزل قوله «فقد رأى الحق» ومهما نقص من صفاته فيدخل التأويل بحسب ذلك، ويصح إطلاق أن كل من رآه في أي حالة من ذلك فقد رآه حقيقة وقال الغزالي: ليس معنى قوله «رآني» أنه رأى جسمي وبدني وإنما المراد أنه رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه، وكذلك قوله «فسيراني في اليقظة» وليس المراد أنه يرى جسمي وبدني قال والآلة تارة تكون حقيقية، وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه، بل هو مثال له على التحقيق، قال ومثل ذلك من يرى الله- سبحانه وتعالى- في المنام قال فإن ذاته منزهة من الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس، من نور أو غيره ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف، فيقول: الذي رأيت الله تعالى في المنام لا يعني رأيت ذات الله كما تقول في حق غيره.
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري، ما حاصله: أن رؤياه على غير صفته لا تستلزم إلا أن يكون هو فإنه لو رأى الله تبارك وتعالى على وصف يتعالى عنه وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك ويقدح في رؤيته، بل تكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل.
وقال الطيبي: المعنى من رآني في المنام بأي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه رآني الرؤيا الحق التي هي من الله تعالى وهي مبشرة لا الباطل الذي هو الحلم المنسوب للشيطان فإن الشيطان لا يتمثل بي، وكذا أقوله فقد رأى الحق أي رؤية الحق للباطل، وكذا قوله:«فقد رآني» فإن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الغاية في الكمال أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها شيء وذكر الشيخ أبو محمد ابن أبي جمرة ما ملخصه أنه يؤخذ من
قوله «فإن الشيطان لا يتمثل بي»
أن من تمثلت صورته صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصور له في عالم سره أنه يكلمه، إن ذلك يكون حقا، بل ذلك أصدق من مرأى غيرهم لما من الله تعالى به عليهم من تنوير قلوبهم.