«ادني يا فاطمة» فدنت دنوة حتى قامت بين يديه قال عمران: فرأيت صفرة قد ظهرت على وجهها وذهب الدم فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ثم وضع كفه بين ترائبها فرفع رأسه قال:
«اللهم، مشبع الجوعة، وقاضي الحاجة، ورافع الوضعة، لا تجع فاطمة بنت محمد» ، فرأيت صفرة الجوع قد ذهبت عن وجهها وظهر الدم، ثم سألتها بعد ذلك فقالت: ما جعت بعد ذلك.
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه قال لفاطمة- رضي الله تعالى عنها- ذات يوم: والله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء أبوك بسبي فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله، لقد طحنت حتى مجلت يداي فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«ما جاء بك أي بنية؟» قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فقال:
ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله فأتيا جميعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: يا رسول الله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: يا رسول الله، لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة، فأخدمنا فقال: لا، والله، لا أعطيكم، وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم فرجع. فأتاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطت أقدامهما تكشفت رؤوسهما فتأثر فقال: مكانكما، ثم قال:«ألا أخبر كما بخير مما سألتماني» ، قالا: بلى، قال:«كلمات علمنيهن جبريل فقال: تسبحان الله في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا، فإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين» .
[قال: فوالله، ما تركتهن منذ سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال له: أين الكوا ولا ليلة صفين، فقال: قاتلكم الله يأهل العراق ولا ليلة صفين.
وروى الطبراني بسند حسن عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يوما فقال:«أين أبنائي؟» يعني: حسنا وحسينا قالت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال علي: اذهب بهما، فإني أتخوف أن يتليا عليك وليس عندك شيء، فذهب إلى فلان اليهودي فتوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في سرية بين أيديهما فضل من تمر، فقال:«يا علي ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر؟» قال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست يا رسول الله، حتى أجمع لفاطمة شيئاً من التمر، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمع لفاطمة شيء من التمر،
فجعله في صرته ثم أقبل فحمل النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما وعلي الآخر، حتى أقلبهما.