فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم: كيف أصنع؟ قال «اغتسلي. واستثفري بثوب وأحرمي» فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. ثمّ ركب القصواء. حتّى إذا استوت به ناقته على البيداء. نظرت إلى مدّ بصري بين يديه. من راكب وماش. وعن يمينه مثل ذلك. وعن يساره مثل ذلك. ومن خلفه مثل ذلك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا. وعليه ينزل القرآن. وهو يعرف تأويله. وما عمل به من شيء عملنا به. فأهلّ بالتّوحيد «لبيك اللهم! لبيك. لبّيك لا شريك لك لبّيك. إنّ الحمد والنّعمة لك. والملك لا شريك لك» . وأهلّ النّاس بهذا الذي يهلّون به. فلم يردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه. ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته. قال جابر (رضي الله عنه) : لسنا ننوي إلّا الحجّ. لسنا نعرف العمرة. حتّى إذا أتينا البيت معه، استلم الرّكن فرمل ثلاثا ومشى أربعا. ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام. فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة/ الآية ١٢٥] فجعل المقام بينه وبين البيت. فكان أبي الذي قدم به عليّ من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة. قال: فحلّ النّاس كلّهم وقصّروا. إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التّروية توجّهوا إلى منّى. فأهلّوا بالحجّ. وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. ثمّ مكث قليلا حتى طلعت الشمس. وأمر بقيّة من شعر تضرب له بنمرة. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشكّ قريش إلّا أنّه واقف عند المشعر الحرام. كما كانت قريش تصنع في الجاهلية. فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى أتى عرفة. فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة. فنزل بها. حتى إذا زاغت الشّمس أمر بالقصواء. فرحلت له. فأتى بطن الوادي. فخطب الناس وقال «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم. كحرمة يومكم هذا. في شهركم هذا. في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ موضوع. ودماء الجاهليّة موضوعة. وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث. كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهليّة موضوع. وأوّل ربا أضع ربانا. ربا عبّاس بن عبد المطلب. فإنّه موضوع كلّه. فاتّقوا الله في النّساء. فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله.
واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله. ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح. ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به. كتاب الله. وأنتم تسألون عنّي. فما أنتم قائلون؟» قالوا:
نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال بإصبعه السّبّابة، يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس «اللهمّ! اشهد. اللهمّ! اشهد» ثلاث مرات. ثمّ أذّن. ثم أقام فصلّى الظّهر. ثمّ أقام فصلّى العصر. ولم يصلّ بينهما شيئا. ثمّ ركب رسول الله صلى الله عليه وسلّم. حتّى أتى الموقف. فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصّخرات. وجعل حبل المشاة بين يديه. واستقبل القبلة. فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس. وذهبت الصّفرة قليلا حتّى غاب القرص. وأردف أسامة خلفه. ودفع