قال:«إنّه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله كل يوم مائة مرّة» .
وفي رواية للبخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-: فأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرّة.
قال القاضي: فاحذر أن يكون هذا الغين وسوسة أو ريبا وقع في قلبه- صلى الله عليه وسلم- أي: لنزاهته عن قبول الوسوسة: لأن قابلها وهي العلقة السوداء التي هي حظ الشيطان من ابن آدم استخرجها جبريل من قلبه حين شق صدره الشريف، بل المراد أصل الغين ما يتغشى القلب ويغطّيه، قاله أبو عبيد.
وقال غيره: الغين شيء يغشّي القلب ولا يغطيه كلّ التّغطية. «كالشفاف» و «الغيم» الرقيق الذي لا يمنع ضوء الشمس، فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه، وفترات نفسه، وسهوها عن مداومة الذّكر، ومشاهدة الحق بما كان- صلى الله عليه وسلم- دفع إليه من مقاساة البشر وسياسة الأمة، ومعاناة الأهل، ومقاومة الوليّ والعدو، ومصلحة النفس وكلفة من أعباء- أي:
ثقل- أداء الرسالة وحمل الأمانة، وهو في كل هذا في طاعة ربه وعبادة خالقه، ولكن لمّا كان النبي- صلى الله عليه وسلم- عند الله أرفع الخلق مكانة وأعلاهم درجة وأتمّهم به معرفة، وكانت حاله عند خلوص قلبه، وخلوّ همته وتفرده بربه وإقباله بكليته عليه، ومقامه هنالك أرفع لديه رأى- صلى الله عليه وسلّم- حال فترته عنها، وشغله بسواها غضّا من علي حاله، وخفضا من رفيع مقامه، فاستغفر من ذلك.
واحذر أن تفهم من الحديث أنه يغان على قلبه- صلى الله عليه وسلّم- مائة مرّة، وإنما هو عدد للاستغفار، وقد يكون الغين هنا هو السكينة التي تتغشاه لقوله تعالى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ [التوبة ٤٠] ويكون استغفاره صلى الله عليه وسلّم عندها، إظهارا للعبودية والاستغفار وقال ابن عطاء: استغفاره وفعله هذا تعريف للأمّة بحملهم على الاستغفار.
ويحتمل أن هذه الإغانة حالة خشية وإعظام تغشى قلبه فيطمئن لها، فيستغفر حينئذ شكراً لله تعالى وملازمة لعبوديته كما
قال- صلى الله عليه وسلم-[في ملازمة العبادة]«أفلا أكون عبدا شكورا