للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقيقة السحر، ويوضحان أمره ليعلم الناس ذلك، ويميزوا بينه وبين المعجزة والكرامة، فمن جاء يطلب ذلك منهما ابتدراه وعلّماه، إنا إنّما أنزلنا فتنة لتعليم السحر، فمن تعلمه ليجتنبه ويعلم الفرق بينه وبين المعجزات والكرامات وما يظهره الله تعالى على أيدي عباده المؤمنين فذلك هو المرضي، ومن تعلمه لغير ذلك أدّى به إلى الكفر، فلهذا كان الملكان يقدمان للملكين هذه المقالة، ثم يقولان له: إن فعل الساحر كذا فرّق بين المرء وزوجه، فلا تتحيل بهذه الحيلة ولا تقل هذا القول، فإنه من قول السحرة ويودي إلى الكفر، ثم على هذا يكون فعل الملكين طاعة لأمر الله تعالى، ومن الناس من ذكر وجها آخر، وهو أن الله تعالى لما بين أن الكفار واليهود ادعوا على سليمان أنه ساحر، وقالوا: إن الجن دفنت كتب السحر تحت مصلاه، ثم أظهرتها بعد موته ليقول الناس كان ساحرا، وأن سليمان قد جمع كتب السحر ودفنها لتضيع على الناس، وأخرجها الجن واليهود بعد موته وصارت في أيديهم وفشا السحر فيما بينهم، ولهذا كثر ما يؤخذ من السحر عند اليهود، وكان اليهود يعزون ذلك إلى سليمان، فقال تعالى وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا ثمّ إن اليهود ادّعت بعد ذلك أن السحر الذي في أيديهم من ميراث سليمان، وأن جبريل وميكائيل نزلا به، فأكذبهم الله تعالى في الأمرين، فقال: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ فتكون ما نافية على هذا القول عطفا على قوله تعالى وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ ويكون قوله (ببابل) متعلق بقوله يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وعلى هذا فقيل: هاروت وماروت رجلان تعلما السحر.

وروى الحسن أنه قال: هاروت وماروت علجان من أهل بابل، وما أنزل على الملكين بكسر اللام، لكن ما على هذه القراءة اسمية، ويكون الإنزال من الشياطين، ويجوز أن تكون نافية وقرأ كذلك عبد الرحمن بن أبزى وفسر الملكين بداود وسليمان، ولا تكون ما على هذا القول إلا نافية.

وقال الإمام الرازي: ويدل على بطلان هذه القصة التي تروى في حديث هاروت وماروت أنهم ذكروا فيها أن الله تعالى قال لهما: لو ابتليتما مما ابتلى بنو آدم لعصيتماني، فقالا: لو فعلت ذلك يا رب ما عصيناك وهذا لا يجوز نسبته إلى ملكين، فإنه رد على الله تعالى، ويدل على بطلانها أيضا أن التخيير وقع بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، والله تعالى خير العصاة بل الكفار بين التوبة والعذاب، ولذلك رووا أنهما يعلمان الناس السحر حال كونهما معذبين، وهذا من أعجب العجب ثم إنهم يروون أن المرأة التي فجرت صعدت إلى السماء ومسخت كوكبا مضيئا من السبعة السيارة، وهذا مخالف للإقسام بالخنّس الجوار الكنّس.