للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حاله، ممتّع بصحة جسمه، كالأرزة الصمّاء، حتى إذا أراد الله هلاكه قصمه لحينه على غرّة، وأخذه بغتة من غير لطف ولا رفق، فكان موته أشدّ عليه حسرة، ومقاساة نزعه مع قوة نفسه وصحة جسمه أشدّ ألما وعذابا، ولعذاب الآخرة أشدّ، كانجعاف الأرزة. وكما قال تعالى:

فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.

وكذلك عادة الله تعالى في أعدائه، كما قال تعالى: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا ... ، ففاجأ جميعهم بالموت على حال عتوّ وغفلة، وصبّحهم به على غير استعداد بغتة، ولهذا ما كره السلف موت الفجاءة.

ومنه في حديث إبراهيم: كانوا يكرهون أخذة كأخذة الأسف: أي الغضب، يريد موت الفجاءة.

وحكمة ثالثة أنّ الأمراض نذير الممات، وبقدر شدّتها شدة الخوف من نزول الموت، فيستعدّ من أصابته وعلم تعاهدها له، للقاء ربّه، ويعرض عن دار الدنيا الكثيرة الأنكاد، ويكون قلبه معلّقا بالمعاد، فيتنصّل من كل ما يخشى تباعته من قبل الله، وقبل العباد، ويؤدّي الحقوق إلى أهلها، وينظر فيما يحتاج إليه من وصيّة فيمن يخلّفه أو أمر يعهده.

وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم المغفور له ما تقدم وما تأخّر، قد طلب التنصّل في مرضه ممّن كان له عليه مال أو حقّ في بدن، وأفاد من نفسه وماله، وأمكن من القصاص منه، على ما ورد في حديث الفضل، وحديث الوفاة، وأوصى بالثقلين بعده: كتاب الله، وعترته، وبالأنصار عيبته، ودعا إلى كتب كتاب لئلا تضلّ أمته بعده، إما في النصّ على الخلافة، أو الله أعلم بمراده. ثم رأى الإمساك عنه أفضل وخيرا.

وهكذا سيرة عباد الله المؤمنين وأوليائه المتقين.

وهذا كلّه يحرمه غالبا الكفّار، لإملاء الله لهم، ليزدادوا إثما، وليستدرجهم من حيث لا يعلمون، قال الله تعالى: ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ. فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ.

ولذلك

قال صلى الله عليه وسلم في رجل مات فجأة: «سبحان الله! كأنه على غضب، المحروم من حرم وصيّته» .

وقال: «موت الفجاءة راحة للمؤمن، وأخذة أسف للكافر والفاجر» ،

وذلك لأن الموت يأتي المؤمن، وهو غالبا مستعدّ له منتظر لحلوله، فهان أمره عليه كيفما جاء، وأفضى إلى راحته من نصب الدنيا وأذاها،

كما قال صلى الله عليه وسلم: مستريح ومستراح منه.

وتأتي الكافر والفاجر منيّته على