للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأطبّاء، وتعرفه الحكماء، وكلّ ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصّواب، عصمه الله أن يقول إلا صدقا حقّا.

وقال ابن القيم في الهدي: كان علاجه- صلّى الله عليه وسلم- ثلاثة أنواع:

أحدها: بالأدوية الطّبيعية.

والثاني: بالأدوية الإلهيّة.

والثالث: بالمركب من الأمرين، ثم قال: كان من هديه- صلى الله عليه وسلم- فعل التّداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، ولكن لم يكن من هديه- صلى الله عليه وسلم- ولا هدي أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- فعل هذه الأدوية المركّبة، التي تسمّى أقرباذين، بل كان غالب أدويتهم بالمفردات، وربّما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه أو يكسر سورته، وهذا غالب طبّ الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والتّرك وأهل البوادي قاطبة، وإنما عنى بالمركّبات الرّوم واليونان، وقد اتّفق الأطبّاء على أنّه متى أمكن التّداوي بالغذاء لا يعدل إلى الدّواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركّب.

قالوا: وكلّ داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية، لم يحاول دفعه بالأدوية.

قالوا: ولا ينبغي للطّبيب أن يولع بسقي الأدوية، فإنّ الدّواء إذا لم يجد في البدن داء حلله أو وجد داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه، فزادت كميّته عليه، أو كيفيّته، تشبث بالصّحّة، وعبث بها، وأرباب التّجارب من الأطبّاء طبّهم بالمفردات غالبا، وهم أحد فرق الطّبّ الثلاث، والتحقيق في ذلك أن الأدوية من جنس الأغذية، فالقوم الذين غالب أغذيتهم المفردات، أمراضهم قليلة جدّا، وطبّهم بالمفردات، وأهل المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركّبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة، وسبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة، فالأدوية المركبة أنفع لها، وأمراض أهل البوادي والصّحاري مفردة، فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة، فهذا برهان بحسب الصّناعة الطّبّيّة.

ونحن نقول: إن ها هنا أمرا آخر، نسبة طب الأطبّاء إليه كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبّهم، وقد اعترف به حذّاقهم وأئمتهم فإن ما عندهم من العلم بالطّبّ إما قياس، وإما تجربة، وإما إلهامات ومنامات وحدس صائب، وإما مأخوذ من الحيوانات، كما نشاهد السّنانير إذا أكلت ذوات السّموم تعمد إلى السّراج فتلغ من الزّيت تتداوى به، وكما رؤيت الحيّات إذا خرجت من بطون الأرض وقد غشيت أبصارها تأتي إلى ورق الرازيانج، فتمرّ عيونها عليها، وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضرّه فنسبة ما عند الأطبّاء من الطّب إلى هذا الوحي كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم-