وقال المازري: إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره بذلك، لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة دلّت على أن الأمر ليس على التحتم بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم وصمم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه- صلى الله عليه وسلم- قال ذلك عن غير قصد جازم [وعزمه- صلى الله عليه وسلم- كان إمّا بالوحي وإما بالاجتهاد، وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي وإلا فبالاجتهاد أيضا] .
وقال النووي: اتفق العلماء على أن قول عمر «حسبنا كتاب الله» من قوة فقهه ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب أمورا ربما عجزوا عنها فيستحقوا العقوبة لكونها منصوصة وأراد أن لا يسد باب الاجتهاد من العلماء، وفي تركه- صلى الله عليه وسلم- الإنكار على عمر الإشارة إلى تصويبه وأشار بقوله:«حسبنا كتاب الله» إلى قوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:
٣٨] ولا يعارض ذلك قول ابن عباس: أن الرزية ... إلخ، لأن عمر كان أفقه منه قطعا، ولا يقال: أن ابن عباس لم يكتف بالقرآن مع أنه حبر القرآن وأعلم الناس بتفسيره ولكنه أسف على ما فاته من البيان وبالتنصيص عليه لكونه أولى من الاستنباط والله تعالى أعلم.
الثاني: في بيان غريب ما سبق:
قولهم:«أهجر» بإثبات همز الاستفهام وفتح الهاء والجيم، قالوا: ولبعضهم هجرا بضم الهاء وسكون الجيم والتنوين أي قال هجرا والهجر بضم الهاء وسكون الجيم، وهو الهذيان الذي يقع من كلام المريض، الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته ووقوع ذلك من النبي- صلى الله عليه وسلم- في حقه مستحيل.
وإنما هذا على طريق الاستفهام الذي معناه الإنكار والإبطال- أي أنه- صلى الله عليه وسلم- لا يهجر أي: لم يختلفوا في الأخذ عنه ولم ينكروا عليه الكتاب، وهو لا يهجر أصلا.