في نزول الرحمة وحصول السّعادة بما يحصل فيها من ملازمة حلق الذكر، لا سيما في عهده- صلى الله عليه وسلم- فيكون مجازا [بغير أداة] ، أو المعنى أن العبادة فيها تؤدّي إلى الجنّة فيكون مجازا أو هو على ظاهره، وأن المراد أنّها روضة حقيقية بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنّة انتهى.
قال: وهذه الأقاويل على ترتيبها هذا في القوّة، وهو محتمل لتقوية الأوّل والأخير، والأخير أقواها عندي، وهذا الذي ذهب إليه ابن النّجّار ونقله البرهان بن فرحون في «مناسكه» عن ابن الجوزي وغيره عن مالك فقال:
وقوله:«ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة»
حمله مالك رحمه الله تعالى على ظاهره فنقل عنه ابن الجوزي وغيره أنها روضة من رياض الجنّة تنقل إلى الجنة وأنها ليست كسائر الأرض تذهب وتفنى، ووافقه على ذلك جماعة من العلماء انتهى.
ونقله الخطيب بن جملة عن الداودي وصحّحه ابن الحاج في «مدخله» لأن العلماء فهموا من ذلك مزية عظيمة لهذا المحلّ.
وقال الحافظ في موضع آخر بعد أن صدّر بالثالث أو أنه على المجاز تكون العبادة فيه نزول إلى دخول العائد روضة الجنة، وهذا فيه نظر، إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة والخير مسبوق لمزيد شرف تلك البقعة على غيرها، وجمع الشيخ ابن أبي جمرة بين الثاني والثالث، ولم يعوّل على ذكر الأوّل فقال: الأظهر والله أعلم الجمع بين الوجهين لكلّ منهما دليل يعضده، أما الدليل على أن العمل فيها يوجب الجنّة فلما جاء في فضل مسجدها في المضاعفة، ولهذه البقعة زيادة على باقي بقعه.
وأما الدليل على كونها بعينها في الجنّة فلإخباره- صلى الله عليه وسلم- بأنّ المنبر على الحوض لم يختلف أحد من العلماء أنه على ظاهره، وأنه حقّ محسوس موجود على حوضه، وقد نقل الخلاف قبل، ثم قال: تقرّر من قواعد الشّرع أن البقع المباركة ما فائدة بركتها لنا، والأخبار بذلك إلا تعميرها بالطاعات.
قال: ويحتمل وجها ثالثا وهو أن تلك البقعة نفسها روضة من رياض الجنة الآن، وتعود روضة في الجنة كما كان ويكون للعامل، فالعمل فيه درجة في الجنة قال: وهو الأظهر لوجهين:
أحدهما: علوّ منزلته- صلى الله عليه وسلم- وليكون بينه وبين الأبوّة الإبراهيمية في هذا أشبه، وهو أنه لما خصّ الله الخليل بحوض من الجنة خصّ الحبيب بالروضة منها انتهى.
وهو من النّفاسة بمكان، وفيه حمل اللفظ على ظاهره إذ لا يقتضي بصرفه عنه، ولا